أين المجتمع الدولي من جرائم نظام أردوغان؟
إعداد: علاء العطار
تظهر الآن أيديولوجية الغزو الجديدة للنظام التركي بشكل أوضح، ويتجلّى ذلك في أحدث مقطع فيديو موسيقي يُقدّم الطاغية التركي رجب طيب أردوغان كوريث للعثمانيين والسلاجقة، ويصوّر أولئك الأسلاف وهم يصلون في كنيسة آيا صوفيا، الكاتدرائية البيزنطية السابقة.
وبهذا الشأن أفاد معهد الأبحاث الإعلامية للشرق الأوسط في الأول من أيلول أن “المقطع يُقاطع بين صور جيش النظام التركي، بما في ذلك القوات الخاصة والدبابات والطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية والصواريخ والسفن البحرية، وصور العثمانيين والسلاجقة بزيهم العسكري. ويظهر الفيديو أيضاً سفينتي الحفر التركيتين “فاتح” و”أوروج ريس” اللتين كانتا تُنقبان مؤخراً عن الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود”، ويتابع: “يطغى على الموسيقى صوت آلة الزرنة، وهي آلة نفخ موسيقية لها مكانة مهمّة في الفرقة الموسيقية العسكرية التقليدية، ما يمنح الموسيقى لحناً “عثمانياً”. وتمزج الكلمات بين الصور القومية وتشير إلى “قزل إلما” ويعني التفاحة الحمراء، وهو مفهوم مستمد من الأساطير التركية يُستخدم أحياناً للإشارة إلى الهيمنة على العالم ويشير في أوقات أخرى إلى هدف عسكري معيّن”.
مقطع الفيديو الموسيقي يتضمن بعض الكلمات التالية: “لن نصل إلى هدف “التفاحة الحمراء” ما لم نضحي بأرواحنا في الطريق، لا بد أن يهيمن النور السماوي والحقيقة الموعودين إلى الأبد. لن ينعم العالم بالهدوء والسلام إلا بغزونا.. تعال أيها التركي ضع أثراً آخر في التاريخ.. هذا الدم هو دم السلطان ألبارسلان الذي نشأ في معركة ملاذكرد.. سلطان العالم الذي أتته بشرى الغزوات والأبطال الأطفال في جاليبولي.. إنه دم الأجداد.. العالم ينتظر.. وهدفنا هو التفاحة الحمراء”.
وقعت معركة ملاذكرد المشار إليها في الفيديو في القرن الحادي عشر، وكانت ملاذكرد (مالازغيرت اليوم) مدينة ذات أغلبية أرمنية داخل حدود الإمبراطورية البيزنطية اليونانية. وبدأ الأتراك منذ عام 1019 باستهداف المدن المسيحية عبر أرمينيا وآسيا الصغرى والاستيلاء عليها وذبح سكانها، ويشهد التاريخ على جرائم القتل الجماعي والنهب والجرائم الأخرى التي ارتكبها السلاجقة في ملاذكرد، إذ غزا السلاجقة أجزاء من جنوب غرب آسيا والشرق الأوسط من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر، وتضمّنت الإمبراطورية التي أنشؤوها أراضي شاسعة مثل آسيا الصغرى وأرمينيا والشام والقدس وهندو كوش وآسيا الوسطى والخليج العربي، وكان تقدمهم بمثابة بداية الوجود التركي في الشرق الأوسط.
والغزو الآخر الذي احتفلت به تركيا تقليدياً لعقود هو غزو القسطنطينية في عام 1453 على أيدي العثمانيين، إذ كانت القسطنطينية أكبر وأغنى مدينة في أوروبا من منتصف القرن الخامس إلى أوائل القرن الثالث عشر، وكانت آيا صوفيا المركز الروحي للإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية)، التي بناها جستنيان الأول في القرن السادس.
سقطت القسطنطينية بيد الجيش العثماني بقيادة السلطان محمد الثاني في 29 أيار من عام 1453، بعد حصار دام سبعة أسابيع. يصف ديونيسيوس هاتزوبولوس، أستاذ الدراسات الكلاسيكية والبيزنطية، ما حدث بعد سقوط المدينة في أيدي العثمانيين: “حطموا الأبواب ونهبوا المنازل وذبحوا ساكنيها، ونهبوا المتاجر في أسواق المدينة، واقتحموا الأديرة وقتلوا قاطنيها، واغتصبوا الراهبات اللواتي قتل كثير منهن أنفسهن لتجنب العار.. وفتحوا أبواب آيا صوفيا عنوة.. واستمر النهب والقتل في الحرم لساعات، وسرق أسياد العاصمة الإمبراطورية الجدد ما يمكن أن يُسرق من المباني الرائعة، ودمروا الأيقونات، وفُقدت المخطوطات الثمينة إلى الأبد”.
دامت الإمبراطورية العثمانية، التي تأسّست عام 1299، حوالي 600 عام، ارتكب العثمانيون خلالها إبادات جماعية بحق اليونانيين والأرمن والآشوريين والسريان وغيرهم من أبناء المنطقة الأصليين، من عام 1913 إلى عام 1923. وجرى حلّ الإمبراطورية رسمياً مع إنشاء جمهورية تركيا في عام 1923.
وفي عام 1930، أعادت تركيا تسمية القسطنطينية رسمياً باسم “إسطنبول” وأعادت افتتاح آيا صوفيا كمتحف في عام 1935. وأعيد تحويل الكنيسة التاريخية إلى مسجد في 24 تموز من العام نفسه.
وعلى الرغم من الدستور “العلماني” بحسب زعم النظام التركي، استمر اضطهاد اليونانيين وغيرهم خلال هذه الفترة. على سبيل المثال في 1941-1942 جرى تجنيد جميع الذكور من تلك الأعراق في الجيش التركي، وأجبروا على العمل في ظروف قاسية للغاية في كتائب عمالية. وفي عام 1955، هزّت مذبحة بحق اليونان إسطنبول، وفي عام 1964 طُرد جميع اليونانيين المتبقين قسراً من البلاد.
يُقدّر عدد السكان الأرثوذكس اليونانيين الحاليين في اسطنبول بنحو مليون وخمسمائة ألف، ولكن على الرغم من الفظائع التي ارتكبها العثمانيون وأحفادهم على مدى قرون بحق اليونانيين والمسيحيين الآخرين، لا يُظهر النظام التركي أي بوادر ندم ولا استعداد للاعتذار أو التعويض، بل على العكس، غالباً ما يعبّر المسؤولون عن إنكارهم أو تفاخرهم بجرائمهم التاريخية والحالية. وحالياً يسعى النظام التركي إلى توسع إقليمي عدواني ويهدّد علانية اليونان وفرنسا وبعض دول شمال إفريقيا. وفي خطاب ألقاه في أنقرة يوم 30 آب الماضي قال أردوغان: “نحن لسنا مجتمعاً يمتلك جيشاً، نحن أمة هي جيش بحدّ ذاتها.. لا توجد قوة بإمكانها أن تقف في طريق هذا البلد. والسؤال هو هل يمكن لمن يعارضوننا في البحر الأبيض المتوسط ومن حوله أن يقبلوا المخاطرة بنفس التضحيات؟ هل يقبل شعب اليونان ما سيحدث لهم بسبب قادتهم الجشعين وغير الأكفاء؟ هل يقبل الشعب الفرنسي الثمن الذي سيدفعه بسبب زعمائه الجشعين وغير الأكفاء؟ هل تكتفي شعوب بعض دول شمال إفريقيا ودول الخليج بمستقبلهم الذي يزداد قتامة نتيجة جشع قادتهم وعدم كفاءتهم؟”.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل النظام التركي عدوانياً بشكل صارخ في السياسة الداخلية والخارجية، ومن هذه الأسباب سياسة التوسّع التركية التقليدية والقومية، والعثمانية الجديدة وإدمان الغزو هي أمور رئيسية، لكن هناك سبباً آخر أخطر وأهم، وهو أن النظام التركي لم يخضع قطّ للمساءلة من المجتمع الدولي عن أيّ من الجرائم التي ارتكبها على مدار تاريخه!.