الصناعة الوطنية.. ارتباط وثيق بسياسات الدعم وتحديات تتراكم بغياب الحلول!!
في ظل الواقع المعيشي الصعب الذي يعانيه المواطن، ومع الارتفاع المتتالي للأسعار نتيجة تقلبات سعر الصرف، وحزم العقوبات الاقتصادية التي طُبقت وستطبق في ظل غطرسة ترامب وإدارته الغبية، يطرح السؤال نفسه مجدداً: هل يتمّ العمل على أرض الواقع للزج بمؤسسات القطاع الصناعي الوطنية في العملية الإنتاجية، وإيجاد القيمة المضافة الرافدة للنقد الوطني، وتحقيق التدخل الإيجابي من القطاع العام الصناعي عبر كسر أسعار تجار وصناعيي الأزمة الذين أدمنوا أسعار السوق السوداء كشرط لاستمراريتهم؟
على ضوء ذلك استعرضنا عدداً من ملفات وزارة الصناعة التي تحاول ما أمكن تصحيح وتأهيل عدد من المنشآت في ظل الإمكانات المتوفرة، رغم تأجيل وتناقل العديد من مخططات الوزارة من موازنة لأخرى لأسباب مالية وإدارية.. ولأسباب أخرى قد نجهلها!.
رغم الواقع
الشركة العامة للأحذية تعمل بوتيرة عالية ومتسارعة وجاهزية كاملة، بما يحقّق الخطة الموضوعة لتأمين مستلزمات السوق وحاجات المواطنين، وفقاً لما أكده محمد خير رفاعي المدير العام للشركة، والذي تحدث عن الجهود التي تُبذل للتدخل في السوق ما أمكن عبر طرح منتجات جيدة وبأسعار منافسة للقطاع الخاص من خلال معاملهم الأربعة، إضافة لتوقيع عقود توريد حتى تاريخه بقيمة 8.7 مليارات ليرة سورية أنجزت في غالبيتها، وتمّ تسليمها لجهات عامة وخاصة، وقد بلغت مبيعات الشركة لهذا العام حتى شهر آب نحو 10،2 مليارات ليرة سورية، كما نفّذ معمل الشركة في السويداء 94% من الخطة الموضوعة للإنتاج، فيما نفّذ معمل الشركة في مصياف نسبة 76% من الخطة، وتمّ وضع آلات جديدة في المعامل (شد الوسط، ومسمرة الكعب) في معملي مصياف والسويداء، وتمّ استلام آلات ضغط (عدد 2) في المعملين المذكورين، وسيتمّ قريباً دمجها في العملية الإنتاجية بشكل يدعمها ويرفع من وتيرتها، ورغم سعي الشركة نحو تحسين الإنتاج إلا أنها تعاني بعض المعوقات، كنقص اليد العاملة وقدم الآلات وعدم توفر قطع التبديل في السوق المحلية، حيث يتمّ تأمينها بصعوبة كبيرة.
وفورات حقيقية
المهندس علي جعبو، مدير شركة الاسمنت ومواد البناء في حماة، أكد أن الشركة تعمل برؤية جديدة وهمة عالية، وزيادة في الريعية الاقتصادية، وبخبراتها الفنية والمحلية، والوضع الإنتاجي في الشركة يتقدم بشكل يومي نحو الأفضل. ووفقاً لآخر إحصائياتها فقد تجاوز إنتاج الشركة لهذا العام كمية نصف مليون طن من مادة الكلنكر، وبلغ مخزون الكلنكر 1،8 مليون طن، كما أنتجت كمية 682 ألف طن من مادة الاسمنت، وباعت الشركة نحو 689 ألف طن بقيمة 27 مليار ليرة، وبلغ مخزون الاسمنت لغايته 24 ألف طن. وأبرمت الشركة مجموعة من العقود منها عقد لبيع كمية 240 ألف طن سنوياً من مادة الاسمنت البورتلاندي البوزولاني، وعقد لبيع 250 طن سنوياً من مادة الإسمنت البورتلاندي، كما تمّ تكسير كتل الكلنكر الكبيرة الموجودة في الشركة، وتغذية خط الإنتاج بكمية 60 ألف طن. كما أكد جعبو سعيهم لتحسين المواصفات الفنية للمنتج في المرحلة المقبلة، وتحديث وتطوير الآلات ومواكبة التطورات الفنية والتكنولوجية في مجالات الصناعة، وإنتاج أنواع جديدة من الاسمنت، والعمل على زيادة الحصة السوقية وتنويع الاستثمارات في الشركة، وأتمته بعض الأقسام للاستفادة من العامل الزمني في عملية التطوير.
وتعمل الشركة جاهدة لتذليل الصعوبات، وتوفير مبالغ مالية هائلة تقدّر بمئات الملايين، إضافة لتوفير القطع النادر عبر الاستفادة من الخبرات المحلية في أعمال التطوير، وصيانة الآلات، وتصنيع لوازمها، وإنتاج مواد محلية وتطوير الإنتاج، حيث تمّ إصلاح مولد الأشعة السينية لجهاز xray الخاص بالمعمل الثالث خلال فترة قياسية لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، إضافة للاستفادة من الطاقة الحرارية المنبعثة من مبرد الكلنكر في تسخين الفيول عبر المبادلات الحرارية، وتمّ إنتاج الاسمنت المقاوم للكبريتات بالطريقة الجافة، وإنتاج الاسمنت الأباري بالطريقة الجافة لتلبية حاجة آبار النفط من هذه المادة، وخاصة في هذه المرحلة التي تشهد إعادة الآبار النفطية إلى الخدمة، كما تمّ تغيير نظام التحكم بمستف المواد من سلكي إلى لاسلكي ما أدى إلى الاستغناء عن معدات تُقدّر قيمتها بعشرات الملايين، وتصنيع جكات هيدروليكية لمبرد الكلنكر بخبرات الشركة المحلية، وتعديل العمل في منظومة عمل دارة التشحيم في قسم الفرن بأحد المعامل. وأضاف جعبو أنه يتمّ العمل في مشاريع جديدة لزيادة الريعية الاقتصادية من خلال الاستفادة من مخلفات الإنتاج في إنتاج وبيع عدد من المنتجات بشكل يعود بريعية اقتصادية جديدة، وبيع المواد الحصوية من منتجات المكسر الذي تمّ استثماره في الشركة، إضافة لزيادة الطاقة الإنتاجية لوحدة إنتاج البلوك وبمقاسات مختلفة، والتي كان يقدّر إنتاجها بكمية تزيد عن 1000 بلوكة يومياً، وقد بلغ عدد الوحدات المنتجة والمباعة خلال عام 2020 ما يقارب524 ألف بلوكه، أما عن الصعوبات التي تواجههم فتتمثل في نقص العمالة على خطوط الإنتاج، وسيتمّ تدارك النقص الحاصل والذي يقدّر بـ 150 عامل من خلال المسابقة التي أجرتها وزارة الصناعة.
التحلي بأخلاقها
عامر ديب، محلّل اقتصادي، أكد أن أهم ما يجب الكلام عنه هو موضوع تدني جودة المنتجات الصناعية الوطنية مع ارتفاع أسعارها بشكل غير مبّرر، لدرجة أصبحت معها غير منافسة في السوق المحلية، وهذا الأمر ينفر المواطن منها وفي الوقت نفسه يجره نحو شراء المستوردات أو حتى المهربات، خاصة وأن المنتجات الصناعية المهربة لا تخضع لأية ضوابط أو رسوم جمركية أو ضرائب، إلا أنها ذات جودة تضاهي المنتج الوطني غالباً، إضافة للبالات المستوردة من الألبسة والكهربائيات وغيرها. وهذا ما يجعلنا نتساءل: ماذا قدمت صناعاتنا الوطنية؟ ولماذا لا تحلّ المشكلات التي يعانيها الصناعي؟ ولماذا لا تكون غرف الصناعة صلة الوصل الحقيقية بين الصناعيين ووزارة الصناعة لحلّ المشكلات وتخطي الصعوبات، ونقصد هنا الصناعي الحقيقي المغيّب حالياً والذي بات يعاني في السوق من مواجهة زميله الصناعي الذي ارتضى على نفسه أن يتحوّل إلى مضارب أو تاجر هدفه الربح دون الجودة، وهنا يكمن دور الوزارة في التشديد على موضوع الجودة واختبار المنتجات بدقة، وعدم منح أي منتج شهادات الجودة قبل أن تتحقّق فيه بشكل فعلي، وعلينا إنقاذ الصناعة الوطنية قبل فوات الأوان، والطريق يبدأ من الصناعي وينتهي لدى الوزارة، وعلى الصناعيين التوقف عن طرح المبررات الواهية كذرائع مثل عدم وجود دعم من الدولة أو حتى من المصرف المركزي، أو عدم استيراد مواد أولية رغم أنها قدّمت لهم تسهيلات وإعفاءات كثيرة، كان آخرها إعفاءات الآلات من الرسوم بصيغ معينة، لكنهم للأسف لم يستغلوها بل ويطلبون المزيد والمزيد دائماً، وبعضهم يتذرع بعدم معرفته بالكلفة، ومن المعلوم أن الصناعي الحقيقي يدرس كل التكاليف والرسوم بدقة ومن ثم يضيف هامش الربح المعقول لمنتجاته. واليوم نحن في دمشق كعاصمة تضمّ تجمعاً بشرياً كبيراً جداً بحاجة لمدينة صناعية قريبة تكثف الإنتاج وتقلّل تكاليف النقل، وهذا ما يطرح من جديد موضوع عودة القابون كمدينة صناعية لدمشق وخاصة في ظل هذه المرحلة، حيث ستشكل تدخلاً إيجابياً في السوق الصناعية، كون منطقة القابون تضمّ عدداً كبيراً من الصناعيين العريقين والحقيقيين وأصحاب الخبرة المتقنين لعملهم اقتصادياً وأخلاقياً.
بشار المحمد