مع بدء العام الدراسي.. إقبال على الدروس الخصوصية وارتفاع في أسعار الساعات!!
آلية فاقت الأعوام الماضية وضعها المدرّسون الخصوصّيون هذا العام، حيث لم يمنعهم فيروس كورونا من فتح أبواب منازلهم لاستقبال الطلبة بشكل فردي أو “كروبات”، لإعطائهم الدروس مقابل ملء جيوبهم التي طال انتظارها للعام الجديد، وخاصة بعد توقف عملهم خلال الفصل الثاني من العام الدراسي الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا والحجر الصحي الذي فُرض في تلك الفترة. ولم يتوقّف إعطاء هذه الدروس على الأساتذة والمختصين، بل على العكس بات طلاب الجامعات من بين رواد هذه المهنة، لنلاحظ أن أغلب الراغبين في إعطاء هذه الدروس هم من طلبة الجامعات من السنة الأولى حتى الأخيرة، لتأمين دخل شهري لهم ومصروفهم الجامعي بغضّ النظر عن مستواهم العلمي وقدرتهم على شرح الدرس كأي أستاذ مختصّ، إذ يتجّه أغلب الطلبة اليوم للتسجيل في فروع تمكّنهم من البدء بإعطاء دروس خصوصية من السنة الأولى لهم في الجامعة، ولا ينكر الكثير من المعلّمين أن الدروس الخصوصية هي المورد الأول لهم في حياتهم لا راتبهم الوظيفي الذي يتبخّر مع الأيام الأولى من الشهر.
بازار حقيقي!
وبين أخذ وردّ أجمع الأهالي على أن الدروس الخصوصية اليوم باتت ضرورة فرضها الواقع، وصارت ميزانيتها تُحسب مع القرطاسية وباقي الأعباء المدرسية في مطلع كل عام، فمنهم من وجدها ضرورة حتّمها تطوير المناهج الدراسية مترافقاً مع سوء الوضع المعيشي الذي طال المعلمين كباقي شرائح المجتمع مما اضطرهم لفتح باب الدروس الخصوصية على مصراعيه، ومنهم من ألقى اللوم على أساتذة المدارس الذين تغيّر أسلوبهم في التعليم ولم يعد كالسابق نتيجة الملل وضغوطات الحياة، مما دفع الأهالي للبحث عن الدرس الخصوصي لأبنائهم لإيصال المعلومة التي هي مهمّة المدرسة في توصيل المعلومة للطالب دون الاستعانة بأي وسيلة خارج إطارها، إذ ليس بمقدور جميع الأهالي الاستعانة بهذه الدروس، خاصة وأنها ركبت موجة الغلاء هي الأخرى ووصلت إلى أرقام خيالية في بعض المناطق لتفوق الـ15 ألف ليرة للساعة الواحدة للمواد العلمية والـ10 آلاف للمواد الأدبية، كذلك يتفنّن بعض الأساتذة في طريقة طلبهم لأجرة الدرس الخصوصي، فمنهم من يطلبها بشكل يومي أو شهري أو سنوي، مع عروض مميزة يتمّ تقديمها في حال الدفع بشكل سنوي أو نصف سنوي لتتحوّل هذه المهنة إلى بازار حقيقي!.
إلغاء للتربية والتعليم
وعلى الرغم من أن المادة /3/ من المرسوم التشريعي رقم /73/ للعام 2011، تحظر على العاملين في وزارة التربية من مدرّسين أو إداريين أو موجهين تربويين أو موجهين اختصاصيين أو موجهين أوائل العمل في المخابر اللغوية، تحت طائلة المحاسبة القانونية، ناهيك عن أن الوزارة تغرم المدرّس الذي يقدم دروساً خصوصية بمبلغ 500 ألف ليرة سورية، في حال تمّ ضبطه، إلّا أن هذه القوانين لا زالت مجرد حبر على ورق، ولم نسمع عن أي إحالة لمدرّس يقوم بإعطاء دروس خصوصية في منزله أو في منازل الطلاب، بل على العكس أصبحت هذه الظاهرة موضة متجدّدة في كل عام بأسعار خيالية وضعف في المهنية وشحّ في رواتب الأهالي الذين لا حول ولا قوة لهم سوى الاستجابة لطلبات هؤلاء الأساتذة للأخذ بيد أبنائهم إلى بر النجاح. ولا تنصح الموجهة سمر سعد الدين (موجهة تربوية) بالدروس الخصوصية بل على العكس وجدت فيها باباً للتواكل لدى الأستاذ الخصوصي ومضيعة للوقت والإهمال خلال المدرسة بانتظار الدرس الخاص، ناهيك عن التعطيل على باقي الطلبة ممن لا قدرة لهم على الاستعانة بمدرسين خصوصيين. ولم تنكر سعد الدين تغيير طريقة إعطاء الدرس واختلافها عن الأجيال الماضية، لكن هنا لا نستطيع التعميم، فهناك الكثير من المدرّسين الذين يبذلون أقصى الإمكانيات لإيصال المعلومة للطلبة، فالتعليم رسالة مقدسة لا زال الكثير من الأساتذة يصونون هذه الرسالة. في المقابل أكدت رشا شعبان (علم اجتماع) خطورة الدرس الخصوصي لما له من أثر سلبي على شخصية ونفسية الطالب، مقابل الفائدة العلمية المتواضعة التي يمكنه الحصول عليها ببذل جهد إضافي بسيط. ووصفت شعبان الدرس الخصوصي بماكينة استنزاف لطاقة الطلاب والأهالي معاً، يمكن الاستغناء عنه بحلول بديلة إن دعت الحاجة، فهناك مدارس طبقت نموذج الدروس الخصوصية في المدرسة نفسها خلال يومي الجمعة والسبت بمعدل ثلاث ساعات لإجراء مراجعة سريعة للمواد التي تمّ إعطاؤها خلال الأسبوع بسعر رمزي يناسب جميع الطلاب، ولاقت هذه الفكرة رضا الأهالي وتفوق الطلاب في الوقت نفسه. وبرّرت شعبان لجوء الأهالي إلى وضع أبنائهم عند أساتذة خصوصيين لإراحة أنفسهم من متابعة تدريسهم وإلقاء الهمّ الدراسي على المدرّس الخصوصي، والتخلّص من تأنيب ضميرهم تجاه أبنائهم بأنهم قدّموا لهم كل الإمكانيات، مشدّدة على خطورة هذه الظاهرة على المجتمع ككل وإلغائها الدور التربوي وأهمية النظام التدريسي في حياة الفرد، فالدروس الخصوصية تلغي التربية التي ترافق التعليم، وهذا يشكّل كارثة حقيقية على أبناء الجيل القادم.
ميس بركات