“نيويورك تايمز” تشهّر بالعلاقات الصينية- الأوروبية
عناية ناصر
في محاولة للتشهير بالعلاقات بين الصين وأوروبا، بالغ مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” بشكل متعمّد وخبيث في تضخيم الخلافات بين الجانبين فيما يتعلق بالتجارة وهونغ كونغ وحقوق الإنسان وقضايا أخرى، وزعم المقال أن “آمال بكين في استخدام أوروبا كثقل موازٍ للولايات المتحدة قد تعثرت”، وقد صوّر الصين على أنها دولة تستقطب “العداء الشعبي المتزايد” أوروبياً، كما أكد أن ما زعمه من “استبداد الصين يتعارض بشكل أساسي مع القيم السياسية لأوروبا على الرغم من التعهدات المستمرة بأن بكين تسعى إلى التعاون السلمي”. هذه الرواية -حقيقة- لا تتوافق مع واقع العلاقات الصينية الأوروبية، وهي ليست سوى محاولة بغيضة لدق إسفين بين الصين وأوروبا.
يبدأ المقال بالاستشهاد برسالة عامة مليئة بالإساءات الوضيعة إلى الصين، كتبها بافيل نوفوتني، رئيس بلدية في براغ، بعد أن انتقد وزير الخارجية الصيني وانغ يي زيارة المتحدث في مجلس الشيوخ التشيكي إلى تايوان، كمثال لإظهار أن “مكانة الصين في أوروبا سقطت”. ومع ذلك، هل يمثّل هذا السياسي التشيكي الهستيري الذي يريد جذب الانتباه برسالته المليئة بالشتائم وجهات النظر السائدة تجاه الصين في أوروبا؟ الجواب لا.
لقد حافظت العلاقات بين الصين وأوروبا بشكل عام على تطورها المستقر، فقبل يوم واحد من نشر مقال “نيويورك تايمز”، قالت “يوروستات” إن الصين أصبحت الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي في الأشهر السبعة الأولى من عام 2020، وهو موقع شغلته سابقاً الولايات المتحدة، ما يعني أن مقال “نيويورك تايمز” مليء بالغيرة والحقد، فهو يكشف عن أن القوى الدبلوماسية التقليدية في الولايات المتحدة، الممثلة في وسائل الإعلام المحافظة مثل “نيويورك تايمز”، قلقة للغاية وغير متوازنة نفسياً بشأن حقيقة أن الولايات المتحدة تضل في العلاقات الدولية.
إن وجهة نظر صحيفة “نيويورك تايمز” بشأن العلاقات الصينية الأوروبية أكثر قابلية للتطبيق على العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا والخلافات المتزايدة بينهما. فمع إصرار واشنطن على إجبار الدول الأوروبية على التصرف كما تشاء واشنطن بشأن قضايا تشمل “G5” وخط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” دون مراعاة مصالح الأوروبيين، أصبحت أوروبا أكثر استياءً من الولايات المتحدة.
على عكس محاولات الولايات المتحدة للضغط على أوروبا لإنشاء معسكر مناهض للصين تقوده الولايات المتحدة، لا تعمل الصين على تفكيك العلاقات الأوروبية الأمريكية، ولا تعمل على إجبار أوروبا على فعل أي شيء ضد إرادتها، أو شلّ استقلالها لموازنة الولايات المتحدة. لا تريد أوروبا الانحياز لأحد الجانبين وتؤكد على استقلاليتها الإستراتيجية التي تحترمها الصين بشدة.
لذلك، لن تنجح محاولات بعض وسائل الإعلام الغربية أو القوى المعادية للصين في زرع الفتنة في العلاقات الصينية الأوروبية، فالتعاون بين الصين وأوروبا لا بد أن يتوسّع، وهذا ما تفرضه المصالح المشتركة لكلا الطرفين. والحقيقة هي أن الصين وأوروبا بحاجة إلى بعضهما البعض أكثر من أي وقت مضى في مواجهة تصاعد القوى المدمّرة المناهضة للعولمة والشعبوية الراديكالية. وعلى وجه الخصوص، فإن سعي الولايات المتحدة للقضاء على التعددية ومحاولات شنّ حرب باردة جديدة عزّز حاجة الصين وأوروبا إلى دعم بعضهما البعض في حماية التعددية وتعزيز عالم متعدّد الأقطاب.
خلال الاجتماع الأخير لقادة الصين وألمانيا والاتحاد الأوروبي عبر رابط الفيديو، أكد قادة من الجانب الأوروبي، بمن فيهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على أن الصين شريك استراتيجي مهمّ يحظى بالاحترام من قبل الاتحاد الأوروبي، واتفقوا على أنه من الضروري لأوروبا والصين تعزيز التعاون، وحماية التعددية بشكل مشترك، ومقاومة الأحادية والحمائية، والاستجابة بشكل أكثر فعالية للتحديات العالمية المختلفة.
وتجدر الإشارة إلى أن الخلافات الأيديولوجية بين الصين وأوروبا موجودة منذ فترة طويلة، لكن هذا لم يمنع الجانبين من تطوير وتعميق التعاون المتبادل. ويكفي إدراك أن الخلافات بين الصين وأوروبا يمكن السيطرة عليها ولن تتطور إلى مواجهات واسعة النطاق.
هناك بالطبع بعض الضوضاء في العلاقات بين الصين وأوروبا عندما يتعلّق الأمر بقضايا مثل هونغ كونغ وحقوق الإنسان. في الواقع، يتصاعد الاستياء ضد الصين داخل بعض الدول الأوروبية، وهذا هو التحدي الذي يجب على كلا الجانبين معالجته باحترام من أجل تعزيز العلاقات. لن تستسلم الصين وستتخذ بشكل حاسم الإجراءات المضادة المقابلة عند مواجهة الاستفزازات التي تتحدى مصالحها الأساسية، مثل زيارة رئيس مجلس الشيوخ التشيكي إلى تايوان. وهناك دعوات متزايدة إلى أن تعمل الصين وأوروبا بشكل مشترك لاستكشاف كيفية تجنّب تباين القيم وتحقيق التعايش والتسامح المتبادل.
لاشك أن العلاقات بين الصين وأوروبا معقّدة وتتطور رغم الخلافات، فالعلاقة بين الطرفين لا يمكن أن تخرج عن مسارها بمثل هذه المحاولات الخبيثة. هذه هي الصورة الحقيقية للعلاقات الثنائية، وعلى الرغم من وجود وجهات نظر مختلفة حول بعض القضايا، إلا أن الاتجاه العام للتعاون الإيجابي بين الصين والاتحاد الأوروبي لن يتأثر.