الموازنة العامة بين ضخامة الأرقام المعلنة ومصادر تمويلها..تمويل بالعجز وإحجام عن الاستثمار في القطاع العام
دمشق- فاتن شنان
استهجن العديد من خبراء الاقتصاد ضخامة حجم الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة وتوجهات الإنفاق في جميع الوزارات للسنة المالية القادمة والبالغة 8500 مليار ليرة سورية في الشقين الاستثماري والجاري، إذ بلغت ضعفي الموازنة للعام الماضي البالغة نحو 4000 مليار ليرة، واعتبرها البعض بمنزلة الورطة في ظل عدم وضوح مصادر المال المعتمدة لهذه الموازنة التي لم يُشَر إليها حالها حال الموازنات السابقة، لتفتح الباب واسعاً أمام احتمالات عدة أهمها التمويل بالعجز الذي سيرافقه تضخم هائل يصعب الحدّ منه، ويرخي بظلاله على الواقع المعيشي!.
الاعتمادات الأولية
وكان المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي أقرّ في اجتماعه برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء الاعتمادات الأولية، إذ بلغت اعتمادات الدعم الاجتماعي 3500 مليار ليرة موزعة على دعم الدقيق التمويني والمشتقات النفطية والصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية وصندوق دعم الإنتاج الزراعي، دون أن يشمل ذلك الدعم المقدم للقطاع الكهربائي، كما رصد كتلة مالية احتياطية تخصص للإنفاق الاستثماري لمواجهة أية متغيرات في مختلف القطاعات، وشمل مشروع الموازنة تأمين 70 ألف فرصة عمل في القطاعين الإداري والاقتصادي، وركّز مشروع الموازنة على إعادة ترتيب أولويات الإنفاق بشقيه الجاري والاستثماري وتوجيه الإنفاق العام وضبطه.
وفي هذا السياق أكد وزير المالية الدكتور كنان ياغي أنه تم إعداد الموازنة وفق مجموعة من الأسس أهمها البحث عن إيرادات مستدامة وتأمين التمويل اللازم للمشاريع ذات الجدوى الاقتصادية، مشيراً إلى أن النفقات العامة في موازنة عام 2021 موزعة على بندين.. نفقات جارية نحو 7 آلاف مليار ليرة منها الرواتب والأجور والتعويضات و1500 مليار ليرة عبارة عن إنفاق استثماري، لافتاً إلى أن الدعم الاجتماعي بنحو 3500 مليار ليرة موزعة لدعم الدقيق التمويني والخبز بنحو 700 مليار و2700 مليار لدعم مشتقات نفطية إضافة إلى تخصيص 50 ملياراً لصندوق دعم الإنتاج الزراعي و50 ملياراً لصندوق المعونة الاجتماعية وموضوع تنمية المرأة الريفية.
من زاوية أخرى
بيّنت خبيرة الاقتصاد الدكتورة رشا سيروب أن رقم الموازنة هو رقم وهمي، ومطابقة لموازنة السنوات السابقة من حيث الآلية، إذ جرت العادة في تلك الموازنات الاعتماد بشكل أساسي على مصدرين أساسيين هما فوائض القطاع العام، وإيرادات ضرائب الرواتب والأجور، منوّهةً إلى أن زيادة الرواتب والأجور التي تمت في نهاية عام 2019، لم تترافق مع رفع الحد الأدنى المعفى من الضرائب، وبالتالي أصبحت كتلة كبيرة من الضرائب تخضع لأعلى شرائح ضريبية وهي تحقق مورداً مالياً لا بأس به بالنسبة لموازنة الحكومة، كما يمكن أن تساهم زيادة الرسوم المفروضة والمعدلة من الحكومة بشكل أساسي في تمويل الموازنة أيضاً.
هل الفوائض المالية متاحة..؟
لا تخفي الحكومة الخسارات المحققة المالية التي يتكبّدها القطاع العام، وبالتالي كيف يمكن التعويل على هذه الفوائض إن كانت تعتبره قطاعاً خاسراً، وبالتالي يبدو حسب رأي سيروب أنها موازنة شكلية من أجل القول إنه تم الالتزام بتقديم الموازنة ضمن المهل الدستورية وسيتم إقرارها فقط، ونفت سيروب اعتماد الموازنة في مصادرها على احتياطي الذهب كما اعتقد البعض في تحليلاتهم الاقتصادية لأنه يتم تمويل العجز المأخوذ من الاحتياطي بطباعة النقد فقط.
تضخم كبير
وبيّنت سيروب أنه إن كان التمويل بالعجز وطباعة عملة جديدة هو ما اعتمدته الحكومة في موازنتها، ستكون النتيجة ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير في العام القادم، لأن الجزء الأكبر من الموازنة الذي يمثل 82.35% هو إنفاق جارٍ وليس استثمارياً، بينما في حال ذهبت هذه النسبة لتمويل الشق الاستثماري فلا مشكلة مع التضخم لأنه ينتج عن الاستثمار سلع وخدمات منتجة، وبالتالي الموازنة غير كافية وحدها لضبط قيمة الليرة، واستبعدت سيروب اعتماد الموازنة على قروض خارجية أو مساعدات، مع العلم أن المساعدات أو القروض الخارجية مقيدة بقانون قيصر ولم تتجاوز ملياراً من أصل 4000 مليار في السنوات الماضية.
تغيير سعر الصرف
وأوضحت سيروب أن الموازنات السابقة جميعها بعيدة عن الواقع، وعزت سبب ضخامة الأرقام إلى إدراج 2700 مليار ليرة سورية لدعم مشتقات نفطية، مقابل 11 ملياراً للسنة السابقة، مع العلم أنه لم يتم إدراج 1000 مليار لدعم المشتقات النفطية في موازنة 2020، بالإضافة إلى أنه عندما تمت زيادة الرواتب والأجور الأخيرة لم تدرج في موازنة العام الماضي وبالتالي سيتم إدراجها في الموازنة العامة الجديدة، مع الإشارة إلى أنها بلغت نحو 1000 مليار ليرة وكان من المفترض أن تضاف إليها الزيادة الأخيرة البالغة 500 مليار تقريباً.
ولفتت سيروب إلى أن السبب الأهم في تضخم الموازنة هو على الأغلب تغيير في سعر الصرف المعتمد في الموازنة، وبالتالي ولأن الحكومة تعتمد على الاستيراد سترتفع تكاليفها ونفقاتها بشكل كبير.
بالمحصلة
وأضافت سيروب: كان من المفترض أن تحمل الموازنة نوعاً من الانسجام والتوافق مع البيان الوزاري الصادر منذ عدة أيام، إذ كان يجب أن يُفسَّر البيان الوزاري ونلحظه بأرقام الموازنة، لأنه شدّد على تشجيع الإنتاج ودعم القطاع العام الصناعي، لنكتشف بالموازنة أنه سيتم تأمين 70 ألف فرصة عمل منها 45 ألف فرصة في القطاع الإداري وليس في القطاع العام الاقتصادي، ما يدل على عدم الانسجام بين الموازنة وخطط الحكومة المصرح بها، وبالتالي هذه الموازنة ليست موازنة استثنائية رغم تضخم أرقامها لأنها تماثل السنوات السابقة، لجهة عدم التصريح عن الغاية من إنفاق مثل هذا الرقم، بمعنى تحديد الغاية من الإنفاق كإعطاء مؤشرات كمية “معدل النمو الاقتصادي المستهدف – معدلات البطالة – معدل التضخم المستهدف”، التي تشكل مؤشرات يمكن البناء عليها، وبالتالي نأمل من الحكومة أن تكون موازنتها قائمة على أساس علمي وموضوعي وتحديد الأهداف من إنفاق 8500 مليار ليرة.
وفيما يخص التقسيمات اعتبرت سيروب أن مخصصات الإنفاق الاستثماري هي الأقل في تاريخ الاقتصاد السوري، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على إحجام الدولة عن الاستثمار في القطاع العام، ما يشي بالمحصلة بتوجيه مزيد من التسهيلات والدعم للقطاع الخاص.