أقـل مـا يـقـال.. بـرسـم وزيـر الـزراعـة
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
يحفزنا انفتاح وزير الزراعة محمد حسان قطنا على الأفكار والمبادرات الاستثنائية الكفيلة بتطوير القطاع الزراعي، وتعزيز إنتاجيته، للتذكير بأهمية استثمار البادية السورية، ولا نعتقد أنه غير مدرك لما سنطرحه من نقاط تحمل في طياتها العديد من الروافع التنموية الحقيقية.. ولعله قد يستشف، للوهلة الأولى، من وصفنا البادية بأنها “خزان استثماري هائل كفيل بتحقيق عوائد اقتصادية ذات طابع استراتيجي” بأن ثمة مبالغة بالطرح، لكن في واقع الأمر هناك إجماع “حكومي وغير حكومي” على ذلك، نظراً لما تتمتع به من مقومات استثمارية من نوع خاص..!
سنستشهد، بداية، بما أعدته مدیریة الاقتصاد الزراعي والاستثمار في وزارة الزراعة من دراسة حول الأھمیة الاقتصادیة لإدخال وزراعة شجيرة الجاتروفا الواعدة للطاقة في البادية السورية، والتي لا تحتاج لكمیات كبیرة من المیاه والأسمدة ومواد المكافحة، ولا تتطلب سوى بعض العملیات الزراعیة، إذ أكدت الدراسة أن بذار وزيت هذه الشجيرة مطلوبان في الأسواق العالمیة، ویعتبر سعر زیت الجاتروفا أغلى من سعر الزیت البترولي الخام بحدود ٣٠%، ما یحقق ربحاً مالیاً على مستوى المزارع الفرد وعلى مستوى الاقتصاد الوطني. وأشارت الدراسة إلى أن لزیت الجاتروفا سوقاً عالمية كالنفط، وتراوحت أسعار مبیعھا في السنوات الأخیرة ما بين ٣٠٠ – 700 دولار للطن، وقد یصل إنتاج الھكتار الواحد في الظروف المثالیة للزراعة إلى أكثر من ٢٠ طناً من البذور، تعطي نحو ٨ طن من الزیت الحیوي. ویمكن لزراعة الجاتروفا كمحصول اقتصادي أن تكون بدیلاً، أو ردیفاً، اقتصادیاً وطنیاً یسد الثغرة الناتجة عن نقص البترول، والطلب المتزاید على الوقود والمحروقات، ولاسیما في أوقات الأزمات، كما أنه یساھم بتوفیر عملة صعبة من خلال عملیات التبادل التجاري الدولي..!
ونعرض، في هذا السياق، ما يدعو إليه بعض خبراء الاقتصاد لإحداث منطقة حرة في البادية السورية غير المأهولة والمفتقرة للتنمية، نظراً لما تمتلكه من مقومات عدة أهمها موقعها الجغرافي في قلب سورية، وبالتالي ستكون على صلة بين الدول الممتدة شرقاً، وبالوقت نفسه تلك المتصلة بالساحل السوري، وبذلك تكون أقرب للتبادلات التجارية عن طريق البر لدول العراق وإيران والأردن، وكذلك ليست بعيدة عن الساحل، فضلاً عن مساهمة هذا المشروع بتنمية البادية من خلال إعمارها بمشاريع استثمارية توفر فرص عمل تشجع توطين التجمعات السكانية حولها، ناهيكم عن أن تكلفة استصلاحها أعلى بكثير من تكلفة هذا المشروع المقترح…!
يضاف إلى ما سبق أن البادية هي البيئة الملائمة جداً لعمليات تربية وإيواء الخيول العربية الأصيلة، وتعتبر – وفق كثير من خبراء الخيل – البيئة المثالية لذلك، كونها تختلف عن نظيراتها الأوروبية الباردة، والخليجية الرطبة الحارة، مع الإشارة هنا إلى أن إعطاء الخيول العربية الأصيلة زخماً كبيراً لا يعد ضرباً من الترف الاجتماعي والارستقراطي، وإنما يأتي في سياق التركيز عليها كمصدر من مصادر الدخل الوطني، وبالوقت نفسه الحرص على هذه الثروة التاريخية من الضياع، فضلاً عن أن تفعيل وتنشيط هذا الاستثمار لن يقتصر مردوده على الفعاليات الرياضية، وما تدره عمليات إيواء المربين الخارجيين العرب والأجانب من قطع أجنبي فقط، بل سيكون له انعكاسات من شأنها تفعيل سياحتنا الداخلية وإنعاش البادية خدمياً وزراعياً أيضاً، فكثير من دول العالم لا تعتبر تربية الخيل مجرد هواية تقتصر على الطبقة الارستقراطية، بل لها أبعاد تاريخية واجتماعية يمكن توظيفها واستثمارها اقتصادياً، فنحن، أهل هذه الثروة الذين صدرنا أنقى سلالاتها إلى العالم، أولى بنا النهوض بها. ونكاد نجزم أن العمل على تأهيل جزء من باديتنا السورية، ولو بالحد الأدنى من الخدمات والبنية التحتية لهذا النوع من الاستثمار، سيجعلها مركز استقطاب للمربين الأجانب، وسيضاعف أعداد الخيول لدينا ويشجع المستثمرين المحليين على الخوض في هذا المضمار، عسى أن يتردد من جديد صدى صهيل خيلنا في بلدنا بعد أن علا صوته بلاد المعمورة…!
نختم عرضنا، هذا، بما عزته إحدى الدراسات الصادرة عن مركز دعم القرار في الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، من أسباب الافتقار لإستراتيجية واضحة ومتكاملة لـ “موضوع إدارة وتنمية البادية السورية”، وتأثير ذلك سلباً على تطوير البنية التحتية لها، وعلى تنظيم وإدارة المراعي للحفاظ على هذا المورد الزراعي المهم، إلى تعدد الجهات العامة المسؤولة عملياً عن تنظيم وإدارة تنمية المناطق الرعوية في البادية، الأمر الذي يؤدي إلى تبعثر الجهود، وضياع المسؤولية، لاسيما ما يتعلق بمنع التعديات على الأراضي والمراعي في البادية وتجنيبها أخطار التصحر…!