هـواجـس سـتـارة
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
بعد تسع سنوات ونيّف حرب عانينا فيها ما عانيناه من الخيبات والأزمات التي ارتسمت على وجوهنا عنواناً لحزن يحصرنا في إيقاع رتيب، ويجعلنا أسرى تداعيات لذاكرة موحشة وسوداوية لا تختزن إلا صور الألم التي تظللنا بكآبتها، جاءتنا جائحة كورونا التي أوقفت نشاطات الحياة كلها من خلال إجراءات الحجر الاحترازية. لكن ما إن لاحت بوادر الانفراج بعودة الروح إلى مفاصل الحياة حتى عاد المسرح بكل ما يحمله عشاقه من شغف إلى عناق خشبتهم التي كانت على مر الزمن ملاذهم الأول والأخير. وقد كان المسرحيون السوريون حاضرون وبقوة خلال فترة الحرب، وتحديداً هذا العام، حيث أعادت العروض التي قدمت على مسارح دمشق والمحافظات الجمهور إلى مسرحه، ليعيش طقوسه، وقد أثبتت هذه الأعمال أن المسرح أهم أداة يمكن أن تحقق الوعي الاجتماعي والثقافي والإنساني، والتأكيد على وظيفته الإنسانية والحضارية والثقافية، حيث تمّ التركيز في هذه الأعمال على إحياء الواقعيّة بأشكالها واتّجاهاتها.
العروض المسرحية لم تتوقف حتى في أحلك الأوقات، ولو أنها اقتصرت على جهود أشخاص حملوا عبء الرسالة المسرحية التي أدركوا أهمية دورها في الأزمات والحروب. ورغم تفاوت مستوى هذه العروض إلا أنها شكّلت بصمة تُحسب لأصحابها، ما يؤكد على استمرار المسرح كرسالة إنسانية تعكس الواقع بكل قضاياه وإشكالاته، وأنه ما زال يخلق فضاءات تحقق انتماءنا الإنساني والمصيري، ويشكل توازننا الداخلي، ويبقى حواراً مفتوحاً بلا حدود للانفتاح على الآخر.. فن يشتبك مع الذات الإنسانية بسرعة خاطفة، ويهيمن عليها ويستدرجها للبوح، فالعمل المسرحي هو حالة عناق حقيقي لجوهر الحياة يعمل المهتمون به على أن يكون منبراً لقضايا الإنسان والوطن، ولنا في العروض المتلاحقة والمكثفة التي تحتضنها مسارحنا خير مثال على حيوية المسرح وطزاجته، فما إن ينتهي عرض مسرحي حتى نقرأ عن التحضير لعمل آخر، والملفت أن مسرحيين غابوا عن المسرح فترة زمنية، نراهم يعودون إليه بكل ما يحملون من شوق وحنين، فمن “بيت الشغف” للمخرج هشام كفارنة، إلى “أدرينالين” للمخرج زهير قنوع، و”رقصة الموت الأخيرة” للمخرج حسن عكلا، و”إعدام” للمخرج زيناتي قدسية، و”كان يا ما كان” للأطفال للمخرج أحمد الخطيب في دمشق، وكذلك في المحافظات كعرضي “أنشودة البشر” للمخرج إسماعيل خلف، و”وجع عتيق” للمخرج عبد الله حسن من الحسكة، وعرض الأطفال “السندباد” لفرقة أجيال للمسرح الراقص في طرطوس، و”كوميديا سوداء” للمخرج حكمت نادر عقاد في حلب، وأيضاً فرقة المعري للمكفوفين في المسرحية الاجتماعية الكوميدية الناقدة “وجهات نظر” للمخرج مصطفى الآغا من حلب، ومؤخراً مسرحية “بذرة الإجاص” للمخرج فائز صبوح من اللاذقية، وعروض زائرة كمسرحيتي “مومنت” لهاشم غزال على مسرح الحمراء، و”لا تكن أحمقاً مرتين، للمخرج كمال قرحالي من اللاذقية، وقبله عرض “منحنى خطر” للمخرج حكمت نادر العقاد، وأعمال أخرى في باقي المحافظات توزعت عروضها على مدار العام، ما يؤكد على دور المسرح في محاربة القبح والموت بالجمال والإصرار على الحياة، فمسرحيونا يعبرون بما يقدمون من أعمال عن موهبتهم وجديّتهم في طرح مشكلات البشرية ومعاناتها، وإخلاصهم لرسالتهم التي نذروا أنفسهم لها، وأن يكون عملهم ترجمة لسؤال يلح على كل من يعمل في الفن بشكل عام، والمسرح بشكل خاص، البحث في ماهية الحياة وتجليّاتها فالمسرح الواقعي المقدَّم بإطار محلّي شعبي تبقى دلالاته راسخة في ذهن المتفرّج عموماً، لأنّها تجسّد حقائق معيّنة على خشبة المسرح الذي ينحّي جانباً كل شيء يفرّق بين البشر، ويدعم كل ما هو مشترك بينهم، ويكشف عن القلب الذي يتقاسمونه، مما يجعله أفضل وسيط للسلام.