بعد نجاح أولى تجاربها في السويداء.. هل الزراعة المائية حل لتدهور التربة وشح المياه؟!
“البعث الأسبوعية” ــ رفعت الديك
يتجه المزارعون اليوم إلى ابتكارِ أفكار جديدة تزيدُ من إنتاجيتهم وتساهمُ باستثمارِ كل ما هو متاحْ، ومنها الزراعةُ المائية.. هذه الزراعة التي بدأت أولى تجاربها في السويداء لتقدم حلاً مناسباً لإنتاج الخضار والفاكهة والأغذية الأخرى، في الأراضي الصعبة أو غير القابلة للاستخدام، وتجسد طريقة جيدة لتزويد الأهالي بالأغذية المُنتَجة محلياً وتعطيهم البروتين والمعادن التي يحتاجون إليها، دون الاستخدام المكثف للمياه.
في منزل وجيه أبو حسون حالة ترقب وانتظار لنتائج مشروع الزراعة المائية الذي يعتبر الأول من نوعه في السويداء والأوحد أيضاً، والذي انطلق به بعدَ العديدِ من التجاربِ والأبحاث التي أجراها، وعليها يعتمدُ توسيعُ تجربته تلكْ.. وإن كانت النتائجُ الأوليةُعلى خيرِ ما يرامْ بانتظارِ القادمِ من الأيام.
وقد ساعدته منطقة صخرية بجانب منزله تبلغ مساحتها 65 متراً مربعاً بشكل جيد على إنشاء نظام الزراعة المائية، حيث تمر المياه من خلال أنابيب بلاستيكية متصلة ببعضها البعض على مستويات مختلفة لسقي النباتات، وتوضع النباتات في أوعية بلاستيكية متباعدة بمسافات منتظمة تدخل في ثقوب عبر الأنابيب الممتدة التي تحوي الماء والمغذيات الأخرى.
دورة مائية تنطلق من حوض للأسماك يتم ضخ المياه منه إلى خزانات مرتفعة ليعاد تدويرها في بواري بلاستيكية تحمل، عبر ثقوب متوضعه فيها، الشتول المتعددة والمتنوعة، وبذلك يتحقق العديد من الغايات – كما يقول أبو حسون – وأولها استثمار المياه الغنية بالأسمدة الناتجة عن مخلفات الأسماك، والتي تعتبر مغذياً أساسياً للنباتات، وكذلك التقليل من هدر المياه، والأهم هو استثمار المساحات عبر الاعتماد على النظام العمودي ذي الطبقات المتعددة في تموضع البواري البلاستيكية.
ويقوم أبو حسون بفحص النباتات، ويرى مستوى المياه في الأنابيب بشكل يومي تقريباً، وهو يزرع نبات الخيار حالياً، وسيكون الموسم جاهزاً في غضون شهرين، كما يقوم بزراعة أنواع مختلفة من الخضراوات، كل حسب وقته بالسنة.
يقول أبو حسون إنه يستطيع حصاد 35 طناً من الخضراوات سنوياً، ويبيع محصوله لمحلات البقالة في حيه بشكل مباشر دون وسيط. وتابع يقول: أدركت أنه بغض النظر عما سيحدث لاحقاً فإن المشاريع الغذائية ستستمر، ومن خلال انتشار فيروس كورونا الجديد حالياً توصلت لنتيجة مفادها أن الغذاء ازداد الطلب عليه بشكل ملحوظ، لذلك اخترت التركيز على وجود مشروع مستمر للحصول على دخل كبير.
تؤكد الباحثة في مركز البحوث الزراعية في السويداء، الدكتورة علا النداف، أن الزراعة المائية تطورت بشكل سريع في العديد من دول العالم، وذلك للتخلص من ميتيل البروميد المستخدم لتعقيم الترب في البيوت المحمية، لذلك تعتبر الفائدة الأكبر من هذه التقنيات هي التخلص من مشاكل تعقيم التربة، إضافة إلى القدرة على التحكم الأمثل بإضافة المياه والعناصر المعدنية المغذية للنبات، ما يؤدي إلى تحسين نمو النبات وزيادة إنتاجيته ونوعيته.
وتحدثت النداف عن الفوائد التي تتمتع بها الزراعة المائية، ومنها القدرة الأكبر والأمثل على التحكم بالعوامل المحددة لنمو النبات، وخاصة التغذية والري، ما يؤدي إلى تحسين نمو وإنتاج النبات، فقد أثبتت هذه التقنية أنها طريقة فعالة وبديلة عن تعقيم التربة بمتيل البروميد، والذي تم تحريمه في العديد من دول العالم بسبب سميته العالية وتأثيره على البيئة، لذلك فهي حل جذري لمسببات التربة المرضية (فطور, بكتريا, نيماتودا.. إلخ).
لا تعتمد إنتاجية المحصول على خصوبة التربة، وإنما على الإدارة الدقيقة لتغذية النبات، وبالتالي فهي حل جذري لمشاكل انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة، إضافة إلى تدهور خواص التربة الفيزيائية، وكذلك توفر بيئات محلية رخيصة الثمن خفيفة الوزن ذات خصائص فيزيائية وكيميائية جيدة، كما يمكن إعادة استخدامها، إلى جانب انخفاض حجم الوسط المستخدم للزراعة، وبالتالي كمية مياه الري والعناصر المعدنية المضافة بالمقارنة مع الطرق التقليدية (التربة)، وهذا يعني زيادة كفاءة استخدام الماء والعناصر المعدنية، وتحقيق فائدة اقتصادية أكبر، وإنتاجية أعلى، وخاصة في مناطق الزراعة الكثيفة.
الزراعة المائية إذاً هي واحدة من الحلول غير التقليدية التي يعولُ عليها المجتمعْ للتخلصِ من المشاكلِ الزراعيةِ التي يعاني منها، والتخفيفِ من آثار الحربِ، وما عكسته على هذا القطاعْ.. فهل سيكون التوجه مستقبلاً نحو هذه الزراعة في ظل تدهور التربة وشح المياه؟!