“بحوث الطاقة”.. من الاعتماد على الخزينة إلى رافد لها!
قسيم دحدل
المركز الوطني لبحوث الطاقة الكهربائية هيئة بحثية يطبّق عليها النظام المالي المطبق على الجهات ذات الطابع الإداري “البحثية”، أي يتم تمويل مشاريعه ونفقاته من الخزينة العامة للدولة، لذلك أن يتم وضع خطة في المركز منذ أكثر من أربع سنوات، هدفها الانتقال من حالة الاتكال والاعتماد الكلي، في تمويله، على الخزينة العامة، إلى الاعتماد على الذات تمويلياً، وأن تحقق هذه الخطة النجاح، أي الاعتماد على الذات، فهذا أمر غير مسبوق، وفوق هذا رفد الخزينة بإيرادات مالية محققة فعلاً، من خلال الخدمات التي يقدّمها المركز للآخرين، كإنجاز دراسات فنية وتدقيق البحوث وإجراء اختبارات لعدد من التجهيزات في مختبراته، وتنفيذ عدد من المشاريع التي تحقق إيرادات محددة.
الدكتور يونس علي، المدير العام للمركز، وفي لقاء خاص مع الـ”البعث”، أكد أنه فعلاً تمت المباشرة بهذا التوجه من أربع سنوات، وأصبح المركز فعلياً يحقق إيرادات سنوية محددة، وهذه الإيرادات تتطور وتزداد سنة بعد أخرى، إثر التطور والنقلة النوعية في خدماته ومشاريعه واختباراته، وتوسّع الخدمات وتنوّعها، ففي عام 2019، مثلاً، كانت إيرادات المركز تغطي 95% من نفقاته الإدارية، كرواتب وأجور وغيرها، ومع نهاية العام الحالي 2020، من المتوقع أن تفوق وتزيد الإيرادات عن النفقات التي ترتبت على المركز في العام الجاري.
خفّف عن الخزينة
هذا التوجّه ونتائجه غير المسبوقة منذ تاريخ إنشائه، خفّف، وسيخفف أكثر، من الأعباء المالية على الخزينة العامة، وسيمكّن المركز من تحفيز العاملين بشكل أو بآخر، في حال تم اعتماد نظام حوافز خاص، وتعديل قانون إحداثه، بحيث يتم تخصيص جزء من الإيرادات كحوافز للعاملين فيه، لتفعيل الطاقات البشرية بما يتناسب مع الجهود العلمية والعملية التي يقومون بها.
قنوات إيراداتنا..؟
وأوضح الدكتور علي أن الخدمات التي يقدّمها المركز للآخرين تشمل إنجاز الدراسات الفنية لمشاريع الطاقات المتجددة، وهي قد تكون مأجورة، سواء لناحية إجراء هذه الدراسات أم تدقيقها من مختصين في المركز، والمحور الثاني الذي يحقق إيرادات يتمثل بالمخابر والتجهيزات المخبرية المتوفرة في المركز، التي نختبر التجهيزات التي يطلبها القطاع الخاص والعام، مقابل تعرفة محددة، وإصدار الشهادات المعتمدة رسمياً وعلمياً بذلك.
وحالياً، نتطلع إلى تطوير البنية المخبرية في المركز لتأمينه وتزويده، بالمخابر اللازمة للبحوث والدراسات العلمية، وفي الوقت نفسه تشغيل هذه المخابر لتحقيق إيرادات مالية للمركز والخزينة العامة.
إنتاج وبيع
المحور الثالث للإيرادات، يشمل مشاريع الطاقات المتجددة، حيث قام المركز خلال السنوات الماضية، بمشاريع عدة للطاقات المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية، وهذه المشاريع تنتج الكهرباء وتحقنها بالشبكة العامة، وفق أحكام القانون 32 لعام 2010، ويتم بيع هذه الكهرباء إلى شركات الكهرباء المعنية في المحافظات، والإيرادات المتحصلة من ذلك تذهب للخزينة العامة للدولة.
دورات مأجورة
أما المحور الرابع الذي يوفر الإيرادات أيضاً فهو التأهيل والتدريب، عبر إقامة دورات تدريبية مأجورة وفق تعرفة محددة ومعتمدة أصولاً خاصة بمثل هذه الدورات، إذ تشارك فيها الكوادر الخبيرة والمختصة في المركز، وتتناول دورات تدريبية متخصصة في مجال الطاقات المتجددة والتدقيق الطاقي. وعلى سبيل المثال، تمت إقامة 12 دورة في مجال خدمات الطاقة، استناداً إلى برنامج دورات سنوي، يتم طرحها للجهات المعنية في القطاعين العام والخاص، ويتم العمل في الآن معاً على تطوير تلك الدورات وتنويعها، لتشمل كل متطلبات بحوث ومشاريع وخدمات الطاقة في سورية.
متوالية أهداف
كل ما تقدم هو توجهات هدفها تخفيف العبء عن الخزينة العامة، وفي الوقت ذاته تأمين إيرادات إضافية توزع على العاملين في المركز، لخلق الحافز نحو المزيد من العطاء والمبادرات الخلاقة المبدعة، إنتاجاً وتشجيعاً على الإنتاج والبحث العلمي، وصولاً إلى توسيع رقعة الخدمات، بحيث يستطيع المركز تأمين فائض عام من الإيرادات يتمكن به من دعم المركز وتأمين كل متطلبات البنى التحتية لتطوير المركز مخبرياً وبحثياً واستثمارياً مستقبلاً، وهذا هو الهدف الأعلى.
1500 ك. واط يومياً
حول مشاريع الطاقات المتجددة التي نفذها المركز، أكد علي أنهم سائرون وفق خطة بالتعاون مع وزارتي التربية والتعليم العالي، للاستفادة من أسطح المدارس والجامعات وعدد من الجهات العامة، وهذه المشاريع لها منافع كثيرة، ومنها الإيرادات المالية، مشيراً إلى وصول عدد مشاريع الطاقات المتجددة “الكهرو شمسية”، المنفذة من المركز، إلى 1500 ك واط ساعي يومياً حتى تاريخه، وهذه ترفد الشبكة بكمية محددة من الكهرباء التي يتم بيعها للشركات، لافتاً إلى أن متوسط الإنتاج السنوي لهذه المنظومات المركبة يصل إلى 2 مليون ك. واط ساعي، يقدّر ثمنها وفق الأسعار الحالية بأكثر من 100 مليون ليرة سنوياً.
وصلنا لفائض..
هذه الإيرادات المهمة، والمتوقع أن تحقق فائضاً للمركز في الميزان المالي للعام الحالي 2020، يعوّل عليها، في المرحلة المستقبلية، في تأمين تمويلات ذاتية لتطوير وتأمين البنى التحتية اللازمة للمركز، رغم أن المركز يندرج في خانة القطاع الإداري لا الاقتصادي، ما يعني أن المركز استطاع الانتقال من الحالة “الاستهلاكية” إن جاز التعبير، باعتماده على ما يُخصص له سنوياً من اعتمادات من وزارة المالية لأنه منشأة بحثية، إلى الحالة الإنتاجية المُحققة للإيرادات المالية بإمكاناته الذاتية، والأمل أن تواكبها نقلات مماثلة في مراكز ومنشآت عامة لا تزال تعتمد في نفقاتها على الخزينة العامة لا العكس.