بروباغندا الحرب على سورية!
هيفاء علي
بينما كان المدّعون الهولنديون يفبركون اتهامات ضد الحكومة السورية، برزت وثائق جديدة مسرّبة تكشف النقاب عن دور الحكومات الغربية، وعلى وجه الخصوص، الحكومة البريطانية في التضليل الإعلامي حول الحرب في سورية وعليها، وتذكّر بالدور القيادي الذي لعبته الدول الغربية وشركاتها الحربية في التدمير الممنهج للبلاد!.
تعطي هذه الملفات لمحة واضحة عن الكيفية التي تمّ فيها إنشاء ما يسمّى “المعارضة السورية” من قبل الحكومات الغربية ذات المخطّطات الإمبريالية لتدمير الدولة السورية، وكيف تمّ تمويلها بمبالغ هائلة من المال من جيوب دافعي الضرائب البريطانيين.
لقد تمّ الحصول على هذه الوثائق من قبل مجموعة تطلق على نفسها اسم “مجهول”، وقال المسرّبون “المجهولون” إنهم يهدفون إلى فضح النشاط الإجرامي لوزارة الخارجية البريطانية والمخابرات، قائلين: “نعلن الحرب على الاستعمار البريطاني الجديد”.
وتفضح الوثائق شركات إعلانية ووسائل إعلام غربية تمّ تشكيلها من قبل الاستخبارات الغربية، التي عملت بتوجيه وتمويل من الحكومة البريطانية ومن الحكومات الأخرى. وتتألف العملية من اختراع وسائل التواصل الاجتماعي “المستقلة” مثل “الخوذ البيضاء”، أو المراسلين الزائفين الذين يزوّدون الصحافة الغربية بمعلومات ملفقة من المخابرات البريطانية، وتتوافق مع ما تمّ الكشف عنه لسنوات عديدة.
قامت شركات استخبارات مموّلة من الحكومة البريطانية بتدريب متزعمي “المعارضات” السورية، ونشرت قصصاً في وسائل الإعلام مثل الـ”بي بي سي” وقناة الجزيرة ، وتلاعبت بمجموعة من الصحفيين.
تُظهر الوثائق المسرّبة حديثاً كيف طوّرت الشركات الحكومية البريطانية بنية تحتية دعائية متقدمة لتعزيز الدعم في الغرب للمعارضة السياسية والعسكرية في سورية. وبالتالي، تكشف الملفات المسرّبة كيف لعبت المخابرات الغربية دور الإعلام، وسلّطت الضوء بعناية على التغطية الإعلامية باللغتين الإنكليزية والعربية للحرب ضد سورية من أجل حشد تدفق مستمر من التغطية المؤيدة للمعارضة.
ولهذا الغرض قام رواد الأعمال الأمريكيون والأوروبيون بتدريب وتقديم المشورة لمتزعمي “المعارضة” على جميع المستويات، من نشطاء الإعلام الشباب إلى رؤساء الحكومات الموازية في المنفى. كما نظّمت هذه الشركات مقابلات مع متزعمي “المعارضة” السورية على وسائل الإعلام الرئيسية مثل “بي بي سي” والقناة الرابعة البريطانية.
لم تؤثر شركات العلاقات العامة التابعة لحكومة المملكة المتحدة على الطريقة التي غطّت بها وسائل الإعلام الأزمة في سورية فحسب، بل أنتجت أخباراً زائفة وملفقة خاصة بهم ليتمّ بثها على شبكات التلفزيون الرئيسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك “بي بي سي” العربية والجزيرة والعربية وتلفزيون أورينت. عملت هذه الشركات المموّلة من المملكة المتحدة كخدمات علاقات عامة بدوام كامل لما يسمّى “المعارضة المسلحة”، التي يهيمن عليها المتطرفون. وقال أحد رواد الأعمال إنه كان على اتصال دائم بشبكة تضمّ أكثر من 1600 صحفي و”مؤثر” دولي، وكيف استخدمهم لفرض وجهات نظر مؤيدة للمعارضة.
وهنا تشير الوثائق المسرّبة إلى أكبر شركة نفّذت هذه المهمة وهي ARK المتعاقدة مع الحكومتين البريطانية والأمريكية، والتي أعدّت إستراتيجية “لإعادة تصنيف” المعارضة السلفية الجهادية المسلحة في سورية من خلال “تجميل صورتها”. وتفاخرت بتقديم دعاية معارضة “تُعرض بشكل شبه يومي” على المحطات التلفزيونية الرئيسية الناطقة باللغة العربية. وتؤكد الملفات والتقارير الواردة من الصحفيين حول دور الشركة فيما يتعلق بالخوذ البيضاء في وسائل الإعلام الغربية، حيث نشرت تقارير وبيانات الخوذ البيضاء، وساعدت هذه المجموعة المموّلة من الغرب على أن تصبح سلاح دعاية رئيسياً للمعارضة السورية.
كان العديد من جماعات المعارضة المدعومة من الغرب في سورية من السلفيين المتطرفين، وكانت بعض الهيئات الحكومية البريطانية التي تمّ الكشف عن أنشطتها في هذه الوثائق المسرّبة تهدف بالفعل إلى دعم “جبهة النصرة”، التابعة لتنظيم القاعدة في سورية وفروعها المختلفة.
الحرب الإعلامية على سورية
كشف تسريب لتقرير وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في المملكة المتحدة عام 2014 عن عملية مشتركة مع وزارة الدفاع ووزارة التنمية الدولية لدعم “الاتصالات الإستراتيجية والبحث والرصد والتقييم والدعم التشغيلي لكيانات المعارضة السورية”، وأوضحت مؤسسة FOC البريطانية أن هذه الحملة تهدف إلى إنشاء روابط شبكية بين الحركات السياسية ووسائل الإعلام، من خلال بناء منصات إعلامية محلية مستقلة.
كما خطّطت حكومة المملكة المتحدة لـ التوجيه والتدريب لتحسين تقديم الخدمات الإعلامية، بما في ذلك الوسائط الرقمية والاجتماعية. وكان هدفها هو توفير المدربين في العلاقات العامة وإدارة وسائل الإعلام، وكذلك توفير الموظفين التقنيين، مثل المصوّرين ومشرفي المواقع والمترجمين الفوريين، وكذلك إنتاج الخطب والبيانات الصحفية واتصالات أخرى مع وسائل الإعلام، إضافة إلى اختيار وتدريب ودعم “النشطاء” السوريين الذين شاركوا رؤية بريطانيا “لسورية المستقبلية”.
بعبارة أخرى، وضعت وزارة الخارجية البريطانية والجيش خططاً لشنّ حرب إعلامية شاملة ضد سورية لإنشاء بنية تحتية قادرة على التعامل مع الحملة الدعائية، ودفعت بريطانيا سلسلة من المتعاقدين الحكوميين، بما في ذلك شركة ARK ، والشبكة الإستراتيجية العالمية (TGSN)، والاتصالات المبتكرة والاستراتيجيات.
يقع مقر ARK FZC في دبي، وتقدم نفسها على أنها منظمة غير حكومية إنسانية، مدعيةً أن الهدف من إنشائها هو مساعدة الفئات الأكثر ضعفاً من خلال إنشاء مؤسسة اجتماعية، وتمكين المجتمعات المحلية من خلال توفير تدخلات مرنة ومستدامة لخلق قدر أكبر من الاستقرار والفرص والأمل في المستقبل. في حين أن شركة “أرك” ما هي سوى وكالة استخبارات يتمّ دمج وظائفها في التدخلات الغربية المسلحة، وتتفاخر بالإشراف على عقود بقيمة 66 مليون دولار لدعم جهود “المعارضة” في سورية. وبحسب ما ورد كان لدى الشركة عملاء على الأرض داخل سورية، حيث أبلغت وزارة الخارجية البريطانية أن أفراد ARK على اتصال منتظم مع نشطاء وممثلين من المجتمع المدني التقيا لأول مرة خلال مظاهرات ربيع 2011.
كما أنشأت “مركز بناء القدرات” في غازي عنتاب جنوب تركيا، وكانت قاعدة استخباراتية للعمليات ضد الحكومة السورية، حيث لعبت دوراً مركزياً في تشكيل خطاب المعارضة السياسيّة السورية، وقامت بتدريب جميع مستويات “المعارضة” السورية في مجال الاتصالات، ونظّمت “ورشات عمل” حول صحافة المواطن مع “نشطاء” إعلاميين سوريين، وأشرفت الشركة حتى على إستراتيجية العلاقات العامة للمجلس العسكري الأعلى (CSM) ، قيادة الجناح العسكري الرسمي لـ “المعارضة السورية” لما يُسمّى “الجيش الحر”. وأنشأت حملة علاقات عامة معقدة من أجل “توفير” مركز القيادة العسكرية لتمييز نفسه عن جماعات المعارضة المسلحة المتطرفة، ولإرساء صورة فيلق عسكري وظيفي وشامل ومنضبط ومهني. وقد اعترفت بأنها سعت إلى تبييض وتجميل صورة “المعارضة المسلحة”، التي يسيطر عليها إلى حدّ كبير السلفيون الإرهابيون.
لقد أغرقت الشركة سورية بالدعاية المعارضة، وفي غضون ستة أشهر فقط، قامت بتوزيع 668.600 من إنتاجها المطبوع داخل سورية، بما في ذلك الملصقات والنشرات وكتيبات المعلومات وكتب الأنشطة وغير ذلك. كما أنها أشرفت على وسائل الإعلام التالية داخل سورية: 97 قناة فيديو، 23 كاتباً، 49 منشوراً، 23 مصوراً، 19 مدرباً في البلاد، وثمانية مراكز تدريب، وثلاثة مكاتب إعلامية، و32 مسؤول أبحاث. وكان لديها اتصالات ثابتة مع بعض وسائل الإعلام الرئيسية في العالم، مثل رويترز، ونيويورك تايمز، وسي إن إن، وبي بي سي، والغارديان، وفايننشال تايمز، وتايمز، والجزيرة، وسكاي نيوز عربية، وأورينت تي في، والعربية.
برنامج “بسمة” لخلق نشطاء إعلاميين
تمّ تنظيم الحرب الإعلامية للمعارضة السورية كجزء من مشروع يُسمّى “بسمة”، فقد عملت ARK مع متعاقدين حكوميين غربيين من خلال “بسمة” لتدريب نشطاء المعارضة السورية. وبفضل التمويل المقدّم من حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أصبحت “بسمة” منصة مؤثرة للغاية. بلغ عدد المشتركين في صفحتها العربية على Facebook أكثر من 500000 مشترك، كما كان لها عدد كبير من المتابعين على موقع YouTube.
لقد صوّرت وسائل الإعلام السائدة في الشركات “بسمة” بشكل مخادع على أنها منصة صحافة المواطن السوري، أو مجموعة المجتمع المدني، وهي انتقال تدريجي وتحرري إلى سورية الجديدة. في الواقع، كانت عملية حكومية غربية لخلق دعاية معارضة. تمّ تدريب تسعة من المراسلين الستة عشر الذين استخدمتهم قناة الجزيرة في سورية من خلال مبادرة “بسمة” الحكومية الأمريكية البريطانية. وفي دوراتها التدريبية قامت ARK بتدريب المتحدثين الرسميين المعارضين، وعلمتهم كيفية التحدث إلى الصحافة، ثم ساعدتهم في تنظيم مقابلات مع وسائل الإعلام التقليدية العربية والإنكليزية.
40 % من فريق مشروع شركة ARK في سورية هم مواطنون سوريون، و25 ٪ أتراك. وقالت الشركة: إن فريق العمل السوري لديه خبرة واسعة في إدارة البرامج وإجراء البحوث المموّلة من قبل العديد من العملاء الحكوميين في لبنان والأردن وسورية واليمن وتركيا والأراضي الفلسطينية والعراق. هذه الشركة هي التي شكّلت الخوذ البيض وأنشأت صفحات لها على Twitter و Facebook.
وفي عام 2014، أنتجت ARK فيلماً وثائقياً طويلاً عن الخوذ البيضاء بعنوان “الحفر من أجل الحياة”، والذي تمّ بثه عدة مرات على قناة أورينت تي في. وحتى الشركة الأخرى التابعة للحكومة البريطانية التي تُدعى استراتيجيات الاتصالات المبتكرة (InCoStrat) هي الأخرى قامت ببناء شبكة واسعة تضمّ أكثر من 1600 صحفي وصاحب نفوذ مهمين في سورية. وقد شدّدت على أنها تدير دعم أهداف السياسة الخارجية للمملكة المتحدة في سورية، على وجه التحديد تقديم الدعم الاستراتيجي لـ “المعارضة المسلحة المعتدلة”. كما كشفت الشركة أن المموّلين الآخرين لعمل InCoStrat مع “المعارضة” في سورية، من بينهم حكومة الولايات المتحدة والإمارات المتحدة ورجال أعمال سوريون مناهضون للدولة السورية. وعملت هذه الشركة أيضاً كحلقة وصل بين عملاء الحكومة وما يُسمّى “الائتلاف السوري”، الحكومة الموازية المدعومة من الغرب والتي حاولت المعارضة تشكيلها. قدمت InCoStrat الاستشارات لكبار قادة نظام الظل السوري هذا، بل وأدارت المكتب الإعلامي “للائتلاف” من اسطنبول. وعلى غرار ما فعلت “ارك”، وضعت شركة InCoStrat بنية تحتية واسعة للوسائط، حيث أنشأت الشركة مكاتب صحفية لـ “المعارضة السورية” في درعا، وتركيا، والأردن.
عملت InCoStrat مع 130 مراسلاً في جميع أنحاء سورية، وقالت إن لديها أكثر من 120 صحفياً يعملون داخل البلاد، إلى جانب خمسة متحدثين رسميين آخرين يظهرون عدة مرات في الأسبوع على شاشات التلفزيون الدولية والإقليمية. كما أنشأت ثماني محطات إذاعية FM وست مجلات مجتمعية في جميع أنحاء سورية.
في حربها الإعلامية ضد الدولة السورية، شنّت InCoStrat حملة ذات شقين تألفا من التالي: حملة حرب العصابات لإنشاء الحدث، وتكتيكات حرب العصابات. وقالت الشركة إنها ساعدت في تدريب منظمات “المجتمع الأهلي” في مجالات التسويق والإعلام والاتصالات في أفغانستان وهندوراس والعراق وسورية وليبيا، حتى أنها شكلت فريقاً من الصحفيين المناهضين لصدام حسين في البصرة بعد الغزو الأمريكي- البريطاني للعراق.
بعد أن دمّر الناتو الدولة الليبية في حرب تغيير النظام في عام 2011 ، تمّ إحضار InCoStrat في عام 2012 لإجراء أعمال اتصالات مماثلة للمجلس الوطني الانتقالي الليبي المعارض المدعوم من الغرب الذي سعى للاستيلاء على السلطة.
التنسيق مع الميليشيات المتطرفة
تسلّط الوثائق المسرّبة مزيداً من الضوء على مقاول حكومي بريطاني يدعى “ألباني”.
تفاخر “ألباني” بأنه أشرك شبكة واسعة من أكثر من 55 مراسلاً وصحفياً ومصور فيديو للتأثير على الروايات الإعلامية وتعزيز مصالح السياسة الخارجية للمملكة المتحدة.
ساعدت الشركة في تكوين فريق إعلامي معارض سوري مؤثر يُسمّى “عنب بلدي”، تأسّس في عام 2011 في مركز داريا مع بداية الحرب، وتمّ تسويق “عنب بلدي” بقوة في الصحافة الغربية كمنظمة إعلامية سورية شعبية.
نسق “ألباني” أيضاً الاتصالات بين وسائل الإعلام المعارضة وجماعات المعارضة المتطرفة من خلال تعيين زعيم مشارك (لديه) مصداقية عميقة مع المجموعات الرئيسية، بما في ذلك “فيلق الشام”، و”الجبهة الشامية” و”جيش إدلب الحر” و”أحرار الشام” (في الوسط)، و”جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” و”جيش التحرير” (جنوب). العديد من هذه الميليشيات كانت مرتبطة بالقاعدة، وهي الآن معترف بها من قبل وزارة الخارجية الأمريكية والحكومات الأوروبية كمجموعات إرهابية رسمية.
كما حذّر “ألباني” من أن الكشف عن تمويل الحكومة الغربية لهذه المنظمات الإعلامية المعارضة، والتي تمّ الترويج لها على أنها مبادرات شعبية، من شأنه أن يضعف مصداقيتها.
عندما تسرّبت رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي تظهر أن المنصة الإعلامية المعارضة الضخمة “بسمة” سورية تمّ تمويلها من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، كتب “ألباني”: “علامة بسمة التجارية عرضة للخطر بعد التسريبات حول أهداف تمويل المشروع”. وبعد فترة وجيزة تمّ حذف موقع “بسمة”!.