محمد هدلا: الألوان لا تفرض نفسها على الفنان وتظهر عبر معزوفته الداخلية
تنضوي أعمال الفنان التشكيلي محمد هدلا تحت مسميات عديدة، منها الحداثة، إذ يمزج في لوحته عدة أساليب فنية مستخدماً أسلوباً خاصاً به، وقد جسّد محيطه بأجمل اللوحات وكان للمرأة حضورها في لوحته بكل حالاتها الانفعالية كالتأمل والفرح والتفاؤل، كما اعتمد في أسلوبه مزيجاً من عدة مدارس فنية، منها الانطباعية والتعبيرية الحديثة والواقعية والرمزية والتجريدية، ويعتمد على تقنية وضع طبقات رملية ملصقة على سطح اللوحة وأيضاً قصاصات ورقية من الصحف والمجلات بطريقة الكولاج، الشيء الذي سيمنح أعماله الجديدة جماليات وتأثيرات بطريقة جديدة، فالفنان هدلا يوزع الألوان والخطوط والمعاني بعدة تفسيرات ودلالات بالمفردات نفسها. ولمعرفة تفاصيل أكثر عن تجربته كان هذا الحوار.
رغم الملمح السابق الذي قد يجده المتابع لتجربتك الفنية يمكن أن نرى ملمحاً آخر، وهو حالة من التبسيط واختزال لبيوت طرطوس القديمة؟.
يلعب الإيقاع البصري دوراً مهماً في أعمالي الفنية، لكوني أعتمد في اللوحة على تأسيس فضاء جديد للعمل الفني بمجموعة من الأشكال والعناصر المعمارية، وقد تكون أحياناً كثيرة العدد أو مختصرة أحياناً أخرى، فالمبدأ الأساسي في الإيقاع البصري هو التناوب بين عنصر أو مجموعة عناصر، ويتمّ ذلك بالبساطة في التشكيل، حيث إنني اتجه في تنظيم هذه العناصر المختلفة إلى مساحات هندسية ذات بعدين تتوزع بدقة واتزان من خلال اعتمادها على المساحات الواضحة والأشكال الصريحة، وتنظيم هذه الأشكال وعلاقتها بالفراغ بهدف إقامة وحدة عضوية بين عناصر اللوحة في حوار منظم يتّسم ببساطة التحليل ودراسة التكوين بإمعان وعمق وتقابل الألوان وانسجامها وتضادها وتناغم المساحات فيها.
أظهرت أعمالك اهتماماً كبيراً بالبيئة البحرية بمكوناتها المختلفة من بيوت وبحر ومراكب.. لماذا كان هذا الاهتمام؟.
اهتمامي بالبيئة البحرية مردّه انتمائي ومعايشتي المستمرة لها، فأنا ولدت في هذه البيئة ونشأت ضمن أوساطها وأجوائها.
لابد أن يمتلك الفنان المبدع هوية وشخصية فنية تميّز أعماله، ماذا عن ملامح تجربتك وكيف كانت انعطافاتها؟.
من البديهي والضروري أن يمتلك الفنان المبدع هوية وشخصية فنية تميّز أعماله عن الفنانين الآخرين، بحيث يمكن معرفة العمل الفني وتميّزه من فنان لآخر من دون النظر لمعرفة اسم الفنان. أما بالنسبة لملامح تجربتي الفنية فهي تعتمد بكل بساطة ووضوح على ارتباطها الوثيق بالبيئة البحرية ويبدو أثرها جلياً في مختلف المراحل الفنية، ومن هذا المنطلق تستمد تجربتي الفنية خصوصيتها من خلال العلاقة القوية بينها وبين عناصر البيئة البحرية المتنوعة ومن خلال معالجة تشكيلية حديثة ورؤية فنية خاصة، أما بالنسبة لموضوع انعطافات تجربتي الفنية فهذا بالتأكيد نتيجة البحث الفني المتداخل، إذ أدخلت تقنية الكولاج (التلصيق) لورق الجرائد والمجلات وتقنية تمييع اللون ووضعه بشكل سائل مما يغني العمل الفني ويمنحه جمالية خاصة.
ماسبب إغراقك الشديد باستخدام اللون الأزرق في لوحاتك؟.
في فترة معيّنة فعلاً استغرقت فيه أكثر من الأعمال الحالية، وكنت أميل للون الأزرق أكثر من غيره ولكن لا أعلم السبب المباشر، ربما لأنني أشعر أن اللون الأزرق يميل إلى اللانهاية كالبحر، لكن من المؤكد أنه يأخذك وكأنه الشيء البعيد والمطلق المفعم بالروحانية.
هل اللون يفرض نفسه على العمل، أم العمل هو الذي يفرض نفسه على الألوان؟.
الألوان المستخدمة في بناء اللوحة هي ألوان موجودة في مرسم الفنان، لكن هو من يرتب هذه الألوان بطريقته وبكيفية مزجه لها كي يخرج اللون الذي يريده، ويصنع ويركب من المائدة اللونية تركيبته الخاصة بتذوقه الخاص للفن، والألوان بشكل عام لا تفرض نفسها على الفنان ولا تظهر إلا من خلال معزوفته الداخلية التي لا ترى إلا من خلال الألوان التي يرمي إليها بذوقه.
برأيك هل يحتاج الإبداع الفني في تكوين اللوحة إلى قواعد أكاديمية؟.
عندما أنتقل من التصوير إلى عصر الحداثة إلى عصرنا الحالي حيث أصبحت اللوحة لا تحمل هذه القواعد، أما عن أهمية المرحلة الأكاديمية فعلينا القول بأنها مرحلة مهمّة جداً للمصور، فمن المهمّ له أن يتقن تجسيد التناسب الذي يتخيّله وضبطه، بمعنى أنه إذا لم يضبط العلاقات التي يعجب بها في الطبيعة فكيف يمكنه ضبط علاقات مبتكرة في داخله.
كيف تتشكّل اللوحة بالنسبة إليك؟.
اللوحة بالنسبة لي تبدأ بالفكرة التي يمكن أن تكون أي شيء والعمل عليها، والقصة الأساسية هي كيف تنتهي اللوحة، إذ يمكن أن تبدأ بفكرة وتنتهي بفكرة أخرى، طبعاً بالنسبة لموضوع اللون والذي هو بالنسبة لي أساسي فأنا أعمل باللون أولاً وأخيراً وأحاول أن أستخرج منه طاقته وإمكانياته، أو بمعنى آخر أحاول أن أجعل الألوان بأبهى حالاتها وأن أضع ألواناً غير متوقّع رؤيتها في اللوحة، وهذا الأمر كلّه تابع للبحث والخبرة، ومن جهة أخرى فاللون يمكن أن يعطي طاقة تعبيرية معينة لأنه ليس شكلاً مجرداً بل مدلول يأخذ قيمته من خلال وجوده وتجاوره مع ألوان أخرى.
التطور التكنولوجي المذهل وضع أمام الفنان التشكيلي المعاصر إمكانيات ووسائل تعبير جديدة غير تقليدية، هل أنت معها أم مع وسائل التعبير التقليدية، وهل هذه الوسائل الحديثة قادرة على أن تلبي طموحك؟.
التقنية هي التي تخدم الفنان وليس العكس وهو الذي يطوّعها ليخدم أغراضه، والفنان لايستخدمها إلا لأنها تتلاءم مع غاياته، فإن لم تكن كذلك استغنى عنها وبحث عن مادة وتقنية تحقّق مقاصده.
كيف ترى واقع الحركة الفنية التشكيلية في ظل أزمة كورونا؟.
في هذه الأزمة غير المتوقعة توقفت عملية الإنتاج بكل المجالات وفي كل أنحاء العالم، ولابد أن تتأثر الحركة الفنية التشكيلية بهذا التوقف، سواء من حيث الإبداع أو العرض أو توافر المواد الأولية للفن أو تسويق الأعمال الفنية، ونأمل أن تنحسر قريباً وتستعيد الحركة الفنية التشكيلية نشاطها وعافيتها.
هويدا محمد مصطفى