دراساتصحيفة البعث

إرهابيو أردوغان يؤججون الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

علي اليوسف

دون مقدّمات دخل النظام التركي على خط الاقتتال بين أذربيجان وأرمينيا، وظهرت تقارير موثوقة تفيد بأن تركيا تنقل وكلاءها الإرهابيين المتشدّدين إلى أذربيجان، حيث كتبت الصحفية ليندسي سنيل الحائزة على عدة جوائز -اختطفها إرهابيون مدعومون من تركيا في شمال سورية، ثم زجّ بهم في سجن تركي لمدة شهرين بعد هروبها من سورية- على تويتر أن مقاتلين مما يُسمّى “فرقة حمزة” وصلوا إلى العاصمة الأذربيجانية باكو عبر تركيا!.

و”فرقة حمزة” معروف عنها بأنها تتألف في الغالب من العرب والتركمان، وقد أصبحوا قوة بالنيابة عن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان. ومع تصاعد الحرب الليبية، كانت “فرقة حمزة” واحدة من المجموعات المقاتلة الرئيسية التي نقلتها تركيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق الوطني الإخوانية. وعندما سئلت سنيل عما إذا كان معظم المقاتلين المتجهين إلى أذربيجان يأتون من سورية أو ليبيا، كشفت أنهم يأتون في الغالب من سورية، لكن هناك إرهابيين كانوا في ليبيا أيضاً. كما أفاد كيفورك الماسيان، مؤسس “سيريانا أناليسيس”- أرميني سوري المولد اختطف شقيقه من قبل الإرهابيين المدعومين من تركيا، أن الإرهابيين يحصلون على راتب شهري قدره 600 دولار للقتال مع أذربيجان ضد أرمينيا.

لمحة تاريخية

كانت أرمينيا وأذربيجان على خلاف مع بعضهما البعض حول إقليم آرتساخ، أو المعروف باسم ناغورني كاراباخ، منذ أن بدأ الاتحاد السوفييتي السابق الانهيار في أواخر الثمانينيات. وبصفته مفوّض القوميات بالإنابة في الاتحاد السوفييتي في أوائل العشرينات من القرن الماضي، اتخذ جوزيف ستالين قراراً بأن منطقة آرتساخ ذات الأغلبية الأرمنية ستكون تحت إدارة أذربيجان الاشتراكية السوفييتية جمهورية بدلاً من جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية.

على الرغم من أن ستالين منح آرتساخ لجمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية، إلا أنه منح المنطقة في النهاية للجمهورية الأذربيجانية الاشتراكية السوفييتية، وإن كان ذلك يتمتّع بالحكم الذاتي. خدم هذا غرضين هما: استمرار إستراتيجية فرق تسد في القوقاز، والأمل في تحويل تركيا إلى دولة اشتراكية من خلال استرضاء أقاربهم الأذربيجانيين.

أدى انهيار الاتحاد السوفييتي، الذي أفضى إلى إنشاء 15 دولة جديدة بما في ذلك أرمينيا وأذربيجان، إلى حدوث فوضى في جميع أنحاء القوقاز، حيث اندلعت الحروب نتيجة لحدود ستالين المصطنعة التي تركت الجماعات العرقية منفصلة عن أقاربها.

في عام 1921، قُدّر أن آرتساخ يقطنها 94٪ من الأرمن. ووفقاً لتعداد عام 1989، كان عدد سكان آرتساخ نحو 75٪ من أصل أرميني (145000) و25٪ من أصل أذربيجاني (40688). على الرغم من وجود زيادة كبيرة في عدد السكان الأذربيجانيين في آرتساخ في القرن العشرين، كشف الزعيم الأذربيجاني السوفييتي السابق حيدر علييف، والد الرئيس الحالي إلهام علييف، عن سبب حدوث ذلك في عام 2002 بالقول: “حاولت تغيير التركيبة السكانية هناك.. وقدمت ناغورني كاراباخ التماساً لافتتاح معهد للتعليم العالي هناك. [في أذربيجان] كان الجميع ضدها. بعد المداولات قرّرت أن أفتتح واحداً، لكن بشرط أن يكون هناك ثلاثة قطاعات أذربيجاني وروسي وأرميني. بعد افتتاح المعهد لم نعد نرسل الأذربيجانيين من المناطق المجاورة إلى باكو، وبدلاً من ذلك أرسلوهم إلى هناك. بهذه الإجراءات وغيرها، حاولت زيادة عدد الأذربيجانيين في ناغورني كاراباخ وانخفض عدد الأرمن”.

على الرغم من جهود التغيير الديموغرافي المنتظم، فإن آرتساخ اليوم هي من أصل أرميني 95٪. في السابق أدى انهيار الاتحاد السوفييتي بشكل غير مفاجئ إلى حرب آرتساخ، التي انتهت بوقف إطلاق النار في 12 أيار 1994 بعد انتصار أرميني أدى إلى استقلال فعلي لآرتساخ، وتمّ الاعتراف بها بالكامل تقريباً.

كانت المناوشات شائعة منذ عام 1994، مع تصعيد خطير في نيسان 2016 وتموز من هذا العام، عندما شنّت أذربيجان هجوماً على مقاطعة “تافوش” شمال شرق أرمينيا. على الرغم من أن ميزانية الدفاع الأذربيجانية تبلغ 2.267 مليار دولار، أي أكبر بخمس مرات من ميزانية أرمينيا، إلا أن اشتباكات تموز 2020 كانت مكلفة حيث قتل 21 جندياً، وأسقطت 13 طائرة من دون طيار، ودمرت ثلاث دبابات، ومقتل خمسة جنود أرمينيين وضابطي شرطة أثناء القتال.

التهديدات العابرة للحدود

وبحسب آنا نغداليان، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأرمينية، فإن التهديدات العابرة للحدود، بما في ذلك حركة أو نقل المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى مناطق الصراع، مصدر قلق كبير، وهي مؤسفة ويجب معالجتها. كما صرّح وزير الخارجية زهراب مناتساكانيان: إننا نتلقى تقارير حول استخدام مقاتلين إرهابيين أجانب في أذربيجان، وبالنظر إلى سوابق تصدير تركيا لعناصر إرهابية إلى مناطق مختلفة، فإننا نأخذ هذا التهديد على محمل الجد.

إذا فقد أرمينيا آرتساخ، فإنها ستخسر بعد ذلك مقاطعة سيونيك، وهي الشريط الضيق من الأرض الذي يفصل بين آرتساخ وناختشيفان. لن يمنح هذا تركيا فقط إمكانية الوصول المباشر إلى بحر قزوين الغني بالنفط والغاز على حساب الأراضي الأرمينية التاريخية، بل يمكن أن يؤدي أيضاً إلى اتحاد بين تركيا وأذربيجان كما يريد ملايين القوميين في بلدانهم.

الأتراك والأذربيجانيون أقرباء لغة وثقافة

في بداية شهر أيلول الفائت، قال إلهام علييف للسفير اليوناني المعيّن حديثاً لدى أذربيجان  نيكولاوس بايبيريجوس: “إننا ندعم تركيا في جميع القضايا، بما في ذلك مسألة الاستخبارات في شرق البحر المتوسط.. أستطيع أن أخبرك، وليس سراً، أن تركيا ليست فقط صديقنا وشريكنا، بل هي أيضاً دولة شقيقة لنا”. وأضاف دون أي تردّد: “نحن ندعم تركيا وسندعمها تحت أي ظرف من الظروف”.

في عام 2010 صرّح أردوغان في خطاب مشترك مع نظيره الأذربيجاني أن “التعاون التركي الأذربيجاني لا يقوم فقط على التضامن القويّ بين دولتينا، ولكن أيضاً على التاريخ المشترك ووحدة قلوبنا.. يتحدث الشعبان التركي والأذربيجاني اللغة نفسها ولديهما تاريخ مشترك، بُنيت علاقاتنا على هذا الأساس السليم وتقويتها على أساس مبدأ (أمة واحدة- دولتان)”.

بعد أسابيع فقط من الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان، أجرت تركيا تدريبات عسكرية مشتركة لمدة 13 يوماً مع أقاربهم من أذربيجان في استعراض للقوة ضد أرمينيا. حتى أن النظام التركي أعلن صراحة أنهم نقلوا إرهابيين من سورية إلى ليبيا في وقت سابق من هذا العام.

تركيا لن توقف القتال

يؤكد المتحدثان باسم كلّ من أرمينيا وأذربيجان أنهم يريدون حلّ نزاعاتهم سلمياً ومن خلال المفاوضات، لكن يبدو أن هذا غير مرجّح مع قيام تركيا باستعراض قوتها العسكرية ضد أرمينيا بعد وقت قصير من اشتباكات تموز الماضي، ونقل الإرهابيين من سورية وليبيا إلى أذربيجان.

والأخطر من ذلك كلّه أن المسافة بين ناختشفان وآرتساخ أقل من المسافة بين ناختشيفان ويريفان، وإذا كان علييف يوجّه بالفعل تهديدات غير مباشرة للعاصمة الأرمينية، فلن يكون هناك شك في أنه سيتطلع أيضاً إلى مقاطعة سيونيك. لهذا فإن منطق الأشياء يقول إن استخدام الإرهابيين القادمين من سورية المدعومين من تركيا ليس فقط للاستيلاء على آرتساخ، إنما أيضاً على مقاطعة سيونيك.