حالة جماعية
تدفعنا قساوة الحرب التي دارت رحاها على مدار عشر سنوات إلى استحضار روح تشرين القتالية بكل مافيها من ثبات ومقاومة، وخاصة في هذه الأيام العصيبة التي تلاحق بأزماتها حياة الناس الذين لم تكسرهم شراسة الإرهاب، ولن تنال العقوبات الاقتصادية من إرادة الحياة لديهم، بل ستكون الدافع والحافز للعمل والإنتاج والعطاء.
ولاشك أن استرجاع يوميات تلك الحرب المشرّفة لن يكون مجرد حالة عاطفية، أو كما يعتقد البعض مجرد محاولة للتغنّي بالماضي دون أي مقومات لها في الحاضر، بل تمثّل واقعاً متطابقاً وتواصلاً مستمراً بين يوميات تشرين آنذاك ويوميات هذه المرحلة، فقد استطاع الشعب السوري تقريب المسافات الزمنية مابين الحربين عندما نسج من معاناة أبنائه ومن ركام ما دمّره العدو الصهيوني والإرهاب الأسود من بنى تحتية بناها شعبنا عبر عقود طويلة من التنمية.. أسطورة صمود سيتحدث عنها التاريخ، وسيسجّل أيضاً أن في سورية، وفي سورية فقط، لم تعد البطولة حالة فردية، بل حالة جماعية حقّقها بواسل جيشنا في الميدان، وحقّقها المواطن والعامل والفلاح والمثقف وكل شرائح شعبنا كلّ في ميدانه.
وإذا كانت طوابير الأزمات عناوين عريضة لحملات التشاؤم وتناول المؤسّسات التنفيذية بالتقصير وضعف الأداء، مع الإقرار بصحة بعضها، إلا أنها في الوقت نفسه دلائل واضحة على شراسة الحرب. فكما واجه المواطن الحرب الإرهابية الدموية بكل بسالة، يواجه حرباً اقتصادية شكّلت إرهاباً بحدّ ذاته، فالعقوبات الاقتصادية الظالمة والحصار الاقتصادي الجائر الذي فُرض على بلدنا في تناغم واضح مع ماقام به الإرهابيون في الداخل من استهداف للمعامل والمواقع الإنتاجية ومحطات الكهرباء ومصادر المياه وشبكاتها وسرقة موارد الاقتصاد السوري، تهدف كلّها إلى تجويع أبناء شعبنا وكسر إرادة الصمود لديهم، إلا أن المواطن الذي أدرك منذ البداية مرامي الهجمة الإرهابية الحاقدة وأهدافها كان خلال هذه الحرب مقاتلاً حقيقياً، وهنا لابد من إحياء روح تشرين التي صمدت في حرب استنزافية طويلة وفي محاولات مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية لضرب البنى التحتية والقوة الاقتصادية الإنتاجية من خلال استهداف المعامل وتدمير المنشآت.
إن الحرب الشرسة التي نخوضها اليوم تستلزم من كل حرّ وشريف في وطننا والعالم رصّ الصفوف، والوقوف إلى جانب سورية ودعم نضالاتها ومعركتها الراهنة التي على نتائجها ستتغيّر الكثير من التوازنات الدولية والإقليمية الراهنة، تماماً كما غيّرت حرب تشرين التحريرية موازين الصراع العربي– الإسرائيلي لمصلحة حقوقنا الوطنية العادلة والمشروعة.
وفي ذكرى تشرين التحرير، نحن مدعوون إلى تعزيز ثقافة المقاومة والممانعة ورصّ الصفوف والنهوض، كلّ في موقعه، بمهامنا ومسؤولياتنا في دعم صمودنا الوطني ومدّ أبطال قواتنا المسلحة بكل ما يوطّد بسالتهم في معركة المصير الراهنة التي يخوضونها ببسالة توازي بسالة تشرين التحرير، ورغم اختلاف ظروف المعركة إلا أنهم صنعوا كما صنع أبطال تشرين ذلك النصر العظيم الذي يعترف به العدو قبل الصديق، وها هم اليوم ببطولاتهم وتضحياتهم وبصمود المواطن على كل الجبهات يسجلون في صفحات التاريخ نصراً لن تنساه الأجيال القادمة وسيكون بداية لمرحلة تاريخية جديدة.
بشير فرزان