“الغضب”.. كتاب يفضح تقليل ترامب من مخاطر كورونا
عناية ناصر
وفقاً لكتاب جديد، فإن الرئيس ترامب قلّل، عن عمد، من مخاطر فيروس كورونا، وأن قرارات إدارته تمثّل جرائم ضد الإنسانية. في الآونة الأخيرة، نشر بوب وودوارد، المحرّر المساعد في “واشنطن بوست” وأحد صحفيي ووترغيت كتاباً بعنوان “الغضب”، وهو كتاب جديد عن ولاية الرئيس ترامب الأولى، يعتمد على 18 مقابلة أجراها الكاتب مع ترامب بين كانون الأول 2019 وتموز الماضي. محتوى الكتاب الرئيسي هو أن ترامب قلّل عن عمد، من مخاطر فيروس كورونا!.
بالتأكيد، عرفت إدارة ترامب الحقائق الأساسية حول تفشي المرض بالفعل في 3 كانون الثاني 2020، وبعد ذلك بوقت قصير تأكدت من إمكانية انتقاله عن طريق الجو، لكنها اختارت عدم التحرّك ضد تفشي المرض.
الجديد في كتاب وودوارد هو اعتراف ترامب بأنه أساء بعدم وضع حقائق الوباء أمام الشعب الأمريكي وبالتالي أمام بقية العالم. وتتلخّص الحقائق بما يلي: في 3 كانون الثاني، عندما اكتمل التسلسل الجيني للفيروس من قبل مركز السيطرة على الأمراض في الصين وبدأت مراقبة الطوارئ، تمّ إبلاغ منظمة الصحة العالمية (WHO) والدول ذات الصلة بالفيروس.
في اليوم نفسه، اتصل مدير مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، الدكتور روبرت ريدفيلد بوزير الصحة والخدمات الإنسانية أليكس مايكل عازار، وأخبره أن الصين قد اكتشفت فيروساً جديداً. طلب وزير الصحة من رئيس أركانه التأكد من أن مجلس الأمن القومي (NSC) على علم.
كان هناك سبب لقلق وزير الصحة، عندما وصل ترامب إلى البيت الأبيض قبل ثلاث سنوات، ألغى وحدة الصحة العالمية التي كانت جزءاً من مجلس الأمن القومي. الآن تمّ إطلاق فريق جديد وبدأت الاجتماعات اليومية في الطابق السفلي من الجناح الغربي. ومع ذلك، لم يتخذ أي إجراء. وبدلاً من ذلك، بدأ نقاش طويل داخل الإدارة حول “ماذا نقول للجمهور الأمريكي”؟.
في منتصف كانون الثاني، سعى مريض مصاب بالعدوى المؤكدة -أول حالة أمريكية- للحصول على الرعاية في منشأة طبية في ولاية واشنطن. عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ العالمية في 30 كانون الثاني، ادّعى ترامب “أننا نسيطر على الوباء جيداً”. ومع ذلك، كانت لدى ترامب رسالة مختلفة تماماً إلى بوب وودوارد: “أنت تتنفس الهواء حكماً، وهذه هي الطريقة التي يمرّ بها”. وقال ترامب في مكالمة هاتفية في 7 شباط إنه أمر صعب للغاية.. إنه أيضاً أكثر فتكاً من الأنفلونزا الشديدة. وكرّر التأكيد على أن “هذه أشياء مميتة”.
مع تفشي المرض، يعدّ الوقت مصدراً بالغ الأهمية، فأي تأخير مكلف للغاية. وبحلول نهاية شهر كانون الثاني، كانت هناك 5 حالات رسمية في الولايات المتحدة. اليوم، تصل الحالات إلى 7 ملايين، بينما تجاوزت الوفيات 200000، ويرجع ذلك جزئياً إلى تعتيم إدارة ترامب على الوضع.
على الرغم من تدابير الطوارئ والإجراءات الاستباقية في العديد من البلدان، والدعوات المتكررة لمنظمة الصحة العالمية وتحذيرها الدولي، فشل البيت الأبيض في حشد جهوده ضد تفشي المرض في كانون الثاني وشباط وحتى معظم شهر آذار.
بدلاً من ذلك، ادّعى ترامب أن إدارته سيطرت على الفيروس (23 شباط)، وأن “فيروس كورونا” سيختفي.. مثل معجزة (27 شباط). لقد كانت “خدعة جديدة” من جانب الديمقراطيين (28 شباط). كان الفيروس “خفيفاً جداً” ويمكن أن يتحسّن المصاب “بالذهاب إلى العمل” (4 آذار). كانت الأنفلونزا العادية أسوأ من كوفيد- 19 (9آذار). ومع ذلك، قبل شهر من ذلك، حذّر ترامب وودوارد من خطورة الفيروس.
في 11 آذار، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا أصبح وباءً. بعد يومين، بدأ البيت الأبيض أخيراً في تعبئة الموارد الفيدرالية ضد كوفيد- 19، لكنه عمل على تقليص الأضرار من خلال إعادة فتح الاقتصاد بعد منتصف نيسان. وفي الوقت نفسه، حمّلت إدارة ترامب منظمة الصحة العالمية ورئيسها الدكتور تيدروس والصين مسؤولية الوباء.
ما اعترف به ترامب لوودوارد في ذلك الوقت كان شيئاً مختلفاً تماماً. وفقاً لـما قاله وودوارد في 19 آذار، فقد سعى عمداً لتقليل الخطر، إذ قال ترامب: “كنت أرغب دائماً في التقليل من شأنه”. بعد الجدل العام الذي أثاره كتاب وودوارد “غضب”، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كايلي ماكناني: “لم يكذب الرئيس أبداً على الجمهور الأمريكي بشأن كوفيد-19”.
وفي الوقت نفسه، رُشّح ترامب لجائزة نوبل للسلام من قبل محافظي اليمين المتطرف والمعادين للإسلام والمهاجرين في الشمال. وهم يمثلون نوعاً من الجماعات التي حاول ستيف بانون، كبير الإستراتيجيين السابق لترامب، توحيدها في أوروبا (حتى تمّ القبض عليه واتهامه بالتآمر لارتكاب عمليات احتيال عبر البريد وغسيل الأموال).
في أواخر نيسان، انتقد ريتشارد هورتون، رئيس تحرير مجلة “لانسيت” الطبية المرموقة، قرار ترامب بتعليق تمويل منظمة الصحة العالمية قائلاً: “قرار ترامب بإلحاق الأذى بوكالة هدفها الوحيد حماية صحة ورفاهية شعوب العالم جريمة ضد الإنسانية.. إنه هجوم عن علم وغير إنساني ضد السكان المدنيين في العالم”.
منذ ذلك الحين، ارتكبت إدارة ترامب سلسلة من سياسات نهب جديدة، بما في ذلك الخروج السابق لأوانه والقمع المتعمّد لتدابير الصحة العامة القائمة على العلم. نتيجة لذلك، تظلّ الولايات المتحدة والأمريكيتان بؤرة الأزمة العالمية.
حتى الآن، أصيب ما يقرب من 30 مليون شخص وهلك ما يقرب من مليون وسط الوباء، نصفهم في الولايات المتحدة والأمريكيتين. ومع اقتراب نهاية العام، لا يزال من الممكن أن تتضاعف هذه الأرقام.
آخر شيء يستحقه الرئيس ترامب وإدارته هو جائزة نوبل. لقد حجب كلاهما عن عمد الحقائق الوبائية عن الجمهور، وقوّضا جهود منظمة الصحة العالمية لحماية رفاهية شعوب العالم، وفشلا في حماية الأمريكيين، وبالتالي ساهما في انتشار الوباء في جميع أنحاء العالم، ومثل هذه القرارات تمثّل جرائم ضد الإنسانية.