المشاعر المعادية للنظام التركي تتنامى!
سمر سامي السمارة
في الآونة الأخيرة، باتت الأنشطة التي يضطلع بها رئيس النظام التركي أردوغان في ظل مفهوم “العثمانية الجديدة” المعلنة والصريحة، تثير قلقاً متزايداً ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً في الولايات المتحدة وأوروبا وبين حلفائه في الناتو. إذ يخشى “الشركاء” الأوروبيون –على وجه الخصوص- من الإجراءات التي تتخذها أنقرة والاستفرزات العسكرية في شرق البحر المتوسط، وخاصة تلك التي تتعلّق بفرض إجراءات تعسفية لترسيم الحدود البحرية، والتوسع التركي في ليبيا.
هذه الإجراءات، التي تفاقمت بسبب ابتزاز أنقرة المستمر للاتحاد الأوروبي عبر فتح حدودها أمام آلاف المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط، أدّت إلى تشكيل جبهة دبلوماسية ضد تركيا من قبل سياسيي الاتحاد الأوروبي مؤخراً. فقد أعرب رئيس أكبر حزب سياسي في الاتحاد الأوروبي، حزب الشعب الأوروبي المحافظ، أثناء حديثه في جلسة البرلمان الأوروبي في 9 تموز الماضي عن رأي عدد كبير من السياسيين الأوربيين، مشيراً إلى أن على الاتحاد الأوروبي أن يوقف كل المفاوضات بشأن قبول تركيا، مؤكداً أن هذه المفاوضات تعدّ بمثابة خطأ تاريخي، ومن الضرورة بمكان، إيجاد أرضية قانونية جديدة لتكون بمثابة أساس للعلاقات مع تركيا. كما أعلن الممثل السامي للاتحاد الأوروبي المعنيّ بالشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل في 15 من شهر أيلول الفائت، أن العلاقات مع تركيا تمرّ بلحظة فاصلة في التاريخ، واعتماداً على ما سيحدث في الأيام المقبلة، سيتمّ تحديد موقفنا.
وبدوره قال وزير الشؤون الأوروبية البريطاني السابق دينيس ماكشين لصحيفة “إندبندنت”: تشكّل تركيا التهديد الأكبر لأوروبا اليوم. ووفقاً له، فإن أنقرة لا تهدّد أراضي الاتحاد الأوروبي فحسب، بل تهدّد أيضاً كل شيء يعتبره الاتحاد الأوروبي قيماً له. كما كتبت صحيفة التايمز البريطانية: “في ظل قيادة أردوغان، أصبحت تركيا رصاصة طائشة، تبسط سلطتها بشكل مفرط في المنطقة وأصبحت معزولة بشكل متزايد”. وبحسب موقع المونيتور، يقسم أردوغان حلف شمال الأطلسي بحركاته الخطيرة في شرق البحر المتوسط، ما يجعل من تركيا عبئاً على التحالف. وتؤيد “نيويورك تايمز” هذا الرأي بالقول: “إن أنقرة أصبحت أكثر عدوانية وطموحاً واستبدادية، بمساهمتها الكبيرة في الصراع الليبي، وإظهار تمسّكها بالاستحواذ على مصادر الطاقة، الأمر الذي كان سيؤدي إلى نشوب صراع مسلح مع فرنسا واليونان العضوين في حلف شمال الأطلسي”.
ليست أوروبا الوحيدة التي تعتبر السياسة الخارجية للنظام التركي مجرد طيش وتهور، فبحسب مختصين في الشؤون التركية، فإن الإجراءات التي اتخذتها أنقرة في مناطق إقليمية متعدّدة في آن واحد، إحداها الشرق الأوسط تستحق هذا التقييم، حيث يمكن للمرء ملاحظة التدهور المطرد في علاقات تركيا مع دول العالم العربي. فبعد اعتداءاتها على سورية عبر ما سمي “عملية درع الفرات” 2016-2017، و”غصن الزيتون” في كانون الثاني- آذار 2018، و”نبع السلام” في تشرين الأول من العام الماضي، وتدخلاتها اللاشرعية في العراق، وعلى نطاق واسع غزو ليبيا، خضعت تصرفات تركيا في الشرق الأوسط لانتقادات متزايدة في العديد من العواصم العربية. وحتى الآن لم يأبه النظام التركي بكل التحذيرات، وبدأ مؤخراً بالظهور في اليمن، على غرار ما حدث في ليبيا. وذكرت صحيفة “أرب ويكلي” أنه يشتبه في أن نظام أردوغان يخطّط ليصبح قوة قائمة بذاتها في الصراع في اليمن من أجل مواجهة سياسة خصومها الإقليميين، أي النظام السعودي والإمارات المتحدة. ولتحقيق هذه الغاية، بطريقة مماثلة لليبيا، وجدت أنقرة شريكاً داخلياً مع أجندة سياسية وأيديولوجية إسلامية- حزب الإصلاح، المرتبط بتنظيم “الإخوان المسلمين”، حيث تحاول من خلاله الحصول على وصول لوجستي إلى الأراضي اليمنية لإنشاء قاعدة عسكرية لاحقاً. وحالياً يقوم نظام أردوغان بتنفيذ هذا العمل بشكل نشيط في محافظتي تعز وشبوه، المتاخمتين للبحر الأحمر وخليج عدن. وبحسب تقارير لبعض وسائل الإعلام، يقوم ذلك النظام بفتح باب تجنيد ومعسكرات تدريب في محافظتي شبوه وتعز لتشكيل تحالف مناهض للنظام السعودي يتألف من ميليشيات موالية لتركيا ومشيخة قطر، الأمر الذي استدعى البدء بشكل فعلي ببناء تحالف ضد تركي.
وإلى جانب الدول الأوروبية والعربية، بدأت الهند مؤخراً بالتحدث علانية وانتقاد أنقرة باستمرار، إذ وجّه الممثل الدائم للهند لدى الأمم المتحدة “تيرومورتي” انتقادات لأردوغان بعد إعلانه دعم الجانب الباكستاني في الصراع بشأن كشمير، كما أنه ومنذ مدة طويلة، يتزايد سخط الولايات المتحدة العلني من تصرفات أردوغان، إذ تستمر الأزمة في العلاقات الأمريكية التركية، التي بدأت في الظهور بعد شراء أنقرة لأنظمة المعدات الروسية إس-400 المضادة للطائرات بالتفاقم. ومنذ عامين تقريباً، أوقف أعضاء الكونغرس الأمريكي الصفقات المتعلقة ببيع الأسلحة إلى تركيا بسبب شراء أنقرة لأنظمة أسلحة أس 400، والتي تتضمن تحديث طائرات مقاتلة من طراز إف- 16. كما دعا كبير الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، روبرت مينينديز، والسيناتور الديمقراطي كريس فان هولين مؤخراً، إلى فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على تركيا. وبدوره لم يتردّد المرشح للسباق الرئاسي الأمريكي الحالي جو بايدن، في الإعلان عن موقفه السلبي تجاه سياسة أردوغان. وفي حال فوزه، فهو مستعد لـ”إنعاش” المعارضة التركية.
في ظل هذه الظروف، وعدم استعداد أنقرة لإجراء تعديلات معيّنة على سياستها الخارجية، ينبغي توقع زيادة أخرى في المواجهة بين تركيا ومجموعة من الدول، ورداً على ذلك، ستسعى أنقرة بلا شك إلى إيجاد مخرج من الحرب من خلال إعادة بناء دائرة علاقات مع الدول التي يمكن أن تقدّم لها الدعم.