انتصارات تشرين.. الماضي ليس مجرد ذكريات
حين نستعيد الماضي لا نفعل ذلك لمجرد الحديث عن ذكريات جميلة، وأيام مليئة بالانتصارات، ولكن لدروس عميقة وعِبر يحملها في صفحاته المشرقة، حين ولدت الكرامة فيها بأيام مشرفة من تاريخ سورية، واستيقظ معها الكبرياء في ساحات الشرف، وعلى عتبات الوطن المجروح لكن الصامد والمنتصر أبداً بالتضحيات والدماء الزكية التي قدّمها أبناؤه قرباناً على مذبح عزة الوطن وعليائه، فكان لهم ما أرادوا، وانتصروا لعزة تتجدّد من سنوات طويلة، في حرب الكرامة العربية التي خاضها الجيش العربي السوري كما خاض ويخوض اليوم حربه ضد الإرهاب بكل أنواعه نيابة عن الأمة العربية وعن العالم بأسره.
في ذكرى انتصار تشرين يستعيد التاريخ عبقه، ويتجدّد إيمان الانتصار بعزيمة المقاتل السوري الذي عُرف بعنفوانه وعشقه للكبرياء وإصراره الحتمي على الانتصار والتفوق مهما كانت التحديات والصعوبات.
حروب مستمرة
وفي الذكرى الجديدة لانتصار تشرين نستعيد أياماً من ذلك الزمن الجميل، حين خاض الجيش العربي السوري معركته الحقيقية ضد الصهاينة المعتدين مؤمناً بأرضه وكرامته، وأخذ قراراً شجاعاً جريئاً بإعلان الحرب على العدو الإسرائيلي الغاصب للأرض، ومضى في معركة التحرير برفقة الجيش العربي المصري وأحرار العرب، كما يمضي اليوم مع حلفائه في حربه ضد إرهاب منظّم يتضمن شتى أنواع الحروب، وخاصة الحرب الاقتصادية التي بلغت أشدها في هذه الذكرى.
في ذكرى انتصار تشرين نستعيد الأيام التي لقنّت فيها سورية العدو الإسرائيلي دروساً قاسية في القتال والنار لتهوي أحلام قادته المزعومة بالانتشار والتوسع وتستعيد جزءاً من الأرض المحتلة، كما تتداعى أحلامهم المريضة اليوم مع أدواتهم الوهابية بتقسيم الدولة السورية أو تفتيتها، ويبتعد هذا الحلم يوماً بعد آخر مع استمرار الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري الذي استحق كل تقدير في كل زمان ومكان قاتل فيه وانتصر. فقدر الجندي العربي السوري أن يقاتل بالنيابة عن الأمة العربية مجتمعة ليحفظ ما بقي فيها من كرامة، ويكتب التاريخ مجدداً بحروف الشجاعة والتضحيات، كما فعل في حرب تشرين واستعاد جزءاً من الأرض على خطى تحرير الجولان واستعادة كل شبر من أي أرض عربية مغتصبة.
صمود مستمر
في صفوف الجيش العربي السوري اليوم مقاتلون أشداء، بعضهم لم يعرف حرب تشرين إلا من كتب التاريخ، وبعضهم عرفتها طفولتهم، وقليلهم فقط خاضوا معاركها وذاقوا في أيامها طعم المجد والانتصار وتحطيم أسطورة العدو الصهيوني وسطوته، لكن جميع المقاتلين يؤكدون اليوم أنهم ماضون بعزم وثبات وإرادة لصناعة تشرين آخر في حربهم مع الإرهاب والدول التي تدعمه وترعاه.
يقول علي حسن (مقاتل في صفوف الجيش العربي السوري): الدماء السورية لا يمكن إلا أن تتجدّد وتتوالد وتتقد من بعضها، فهي كما النار المتقدة والشعلة التي لا تنطفئ، والصمود الذي حقّقناه في السنوات الماضية لن يضيع قبل أن يتوّج بدحر كل الإرهابيين من كل مدينة وقرية وبقعة في وطننا. ويكمل ذلك الشاب الذي أتمّ عامه التاسع والعشرين وأمضى معظم سنوات شبابه في الخدمة وخاض معارك كثيرة وعرف طرقاً مختلفة من القتال متنقلاً بين جبهات مختلفة في الحرب ضد الإرهابيين: صحيح أنني اليوم مثل شباب آخرين كثُر تعبنا من طول سنوات الحرب وكثرة المعارك التي شهدناها ضد الإرهابيين ومن الظروف الاقتصادية، لكن اليأس لم يعرف طريقه بعد إلى قلوبنا، والعزيمة التي تسكننا تتجدّد كل حين لأننا أصحاب حق وقضية، ونعلم تمام العلم أن من نقاتلهم ليسوا إلا وكلاء ومأجورين للعدو نفسه الذي قاتله آباؤنا في حرب تشرين التحريرية، لذلك نحن ماضون في ثباتنا وقتالنا وهذه هي رسالتنا في هذه الذكرى المباركة.
رسالة التاريخ
وفي تشرين شهر الانتصار يتجدّد العهد مجدداً، فحين نعود بالتاريخ نستذكر العبر ونستذكر تلك الصفحة الناصعة البيضاء التي كانت منعطفاً تاريخياً في الحياة العربية، وفي نظرة الجندي العربي السوري إلى نفسه حين استعاد ثقته بقدرته على أخذ المبادرة والانتصار مهما كان نوع العدو وإمكانياته وعدّته وعديده، لتتأكد رسالة التاريخ اليوم بأن الأصل في أي انتصار هو امتلاك الحق أولاً والثقة والإيمان بهذا الحق ثانياً، وسورية كانت وما زالت صاحبة الحق الذي تؤمن به ويؤمن به كل جندي مقاتل في صفوف جيشها فلا يكلّ ولا يملّ من الدفاع عن أرضه ضد الغزاة والمعتدين، ليقدّم للعالم صورة واضحة عن إرادة الشعوب عندما تصمّم على استعادة حقوقها المغتصبة، وكما قال القائد المؤسّس حافظ الأسد ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة، وهي رسالة تشرين المستمدة من التاريخ تتأكد اليوم لكل إرهابي معتدٍ راهن خائباً على أموال وأسلحة وعقيدة ظلامية مدّه بها من ذاق مرّ الهزيمة في تشرين وتكسر جبروته تحت أقدام الجيش العربي السوري المنتصر.
محمد محمود