هواجس أمريكية قبل الانتخابات
إعداد: هيفاء علي
يتحدّث الكاتب الروسي، ديمتري أورلوف، في هذا المقال عن الانتخابات الأمريكية والتنافس الحامي الوطيس بين المرشحين. يقول في البداية: “هناك نسبة لا بأس بها من الأمريكيين تعتبر أن الولايات المتحدة ليست ديمقراطية، لأن الولايات المتحدة جمهورية وليست ديمقراطية، وحلّ مشكلة الديمقراطية يتطلّب الكثير من الجهد الإضافي”. إن عبارة “أمريكا ليست ديمقراطية” هي تعويذة مفيدة بطريقة ما، كونها أول مساهمة في الصحة العقلية في هذه المنافسة الرئاسية.
يبدأ كاتب المقال بعدة أسئلة: هل تنوي التصويت؟.
طبعاً!.
كيف تخطّط للتصويت؟.
عن طريق قلب عملة معدنية.
لماذا؟.
لأن الولايات المتحدة ليست دولة ديمقراطية ولا يهمّ من هو الرئيس.. فلماذا التصويت؟.
ويضيف الكاتب: ولجعل هذه المناقشة أقل جفافاً، اسمحوا لي أن أرسم الصورة لكم. تخيلوا أن أمريكا طريق مسدود مهمل بين مبنيين، تتناثر فيه القمامة، والكتابات على الجدران، وتنتشر فيها الفئران، تخيلوا الآن أن الرؤساء والمرشحين الرئاسيين هم قطط تتربص في هذا الزقاق وتتعارك فيما بينها. كل أربع سنوات، تخرج المخالب ويطير الفراء، ثم يعود المتسكعون، ويعود المواء والرائحة الكريهة.
بعد إصلاح هذه الصورة في أذهاننا، لا بد من طرح السؤال التالي: متى كانت آخر مرة رأينا فيها طريقنا المسدود مسكوناً بمخلوقات من الجانب نفسه مثل ترامب؟ الجواب واضح، في عام 1984 عندما كان رونالد ريغان يشغل الوظيفة كان شعاره “إنه الصباح في أمريكا” (بعد ليلة مظلمة طويلة من التدهور الصناعي والصدمات النفطية والنكسات الجيوسياسية).
فعل نائب الرئيس السابق المحرج وغير المثير للإعجاب والتر مونديل شيئاً غير مسبوق بين المرشحين للرئاسة باختيار امرأة هي -جيرالدين فيرارو- نائبة للرئيس عن بطاقته. لقد اصطدموا بالنيران، وفازوا فقط في مينيسوتا، مسقط رأس مونديل، ومقاطعة كولومبيا.
يتابع الكاتب: بعد ذلك حدث نوع من “الصحوة في أمريكا”، ليس بسبب ما فعله ريغان، إنما ببساطة بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي، ما مهّد الطريق لمدة 30 عاماً من النهب الوقح للكتلة الشرقية بأكملها من قبل الغرب. ولكن بحلول نهاية القرن، نفدت الغنيمة وبدأت الإمبراطورية الأمريكية بالجوع مرة أخرى. وهي الآن جائعة، حيث يتمّ الآن تمويل نصف الميزانية الفيدرالية عن طريق طباعة النقود، وفي كل عام تقترض الحكومة الأمريكية ضعف ما تتطلّبه. عندما تؤدي طباعة النقود هذه إلى التضخم لا محالة، لا يمكن للولايات المتحدة محاربته، كما فعلت في عهد ريغان، عن طريق رفع أسعار الفائدة، لأن هذا سيؤدي على الفور إلى إفلاس وطني على جميع المستويات.
الولايات المتحدة الآن مخطّط هرمي خالص جاهز للانهيار في أي لحظة. من الناحية النظرية، يمكن أن يكسبوا بضع سنوات أخرى إذا انهارت الصين سياسياً، مما يسمح للولايات المتحدة بنهبها، كما فعلت مع الكتلة الشرقية أثناء انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن مثل هذا السيناريو غير محتمل للغاية. عندما تنهار الولايات المتحدة، لا يهمّ ما إذا كانت ديمقراطية أو من كان رئيسها.
هذا العام، لدينا دونالد ترامب شاغل الوظيفة. شعاره هو “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، لكن بعد ليلة مظلمة طويلة من التدهور الصناعي والصدمات النفطية والنكسات الجيوسياسية، لا ينفع هذا الشعار، لذا أودّ أن أقترح شعار: “أقوى، أسرع، أعمق!” كما أنه سيبتهج أنصاره المخلصون بين الرجال العنصريين والمتحيزين جنسياً والمعوقين للمثليين. والعكس هو نائب الرئيس السابق جو بايدن، الذي فعل شيئاً غير مسبوق بين المرشحين للرئاسة باختيار امرأة -كامالا هاريس- نائبة للرئيس. والأسوأ من ذلك، في ضبابه العقلي، لا يبدو أن جو بايدن يعرف أياً منهم هو نائب الرئيس.
يمكن القول إن تذكرة بايدن/ هاريس ستنبعث من الدخان، وكذلك تذكرة مونديل/ فيرارو، التي كانت ثاني أسوأ أداء على الإطلاق -أسوأ سجل يتمّ تحطيمه على الإطلاق هو انتصار فرانكلين روزفلت على لاندون في عام 1936- هناك أيضاً سبب يجعل من الصعب التنبؤ بمثل هذا الفشل الذريع، ففي عام 1984، لم يكن التصحيح السياسي قد ازدهر بعد، وكان من الممكن تصوّر أن يكون البطل من الطبقة العاملة الواقفة في حانة للكريكيت تهتف بصوت عالٍ “لن أصوّت لامرأة متعجرفة للرئاسة”، لأن مثل هؤلاء “المؤسفين” يحبسون أنفاسهم هذه الأيام، خوفاً من الرفض، ويستمرون بتفضيلهم الانتخابي السري حتى لعائلاتهم. ربما كان هذا هو التأثير نفسه الذي أعمى حملة هيلاري كلينتون في عام 2016.
ويختم الكاتب بالقول: منذ ذلك الحين، أصبح الجو السياسي في الولايات المتحدة أكثر سميّة، مع قمع حرية التعبير تماماً من خلال الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي وقواعد السلوك المطبقة بإحكام في مكان العمل. أستطيع أن أتخيل حشوداً ضخمة من هؤلاء الأشخاص “المؤسفين” تتجه نحو مراكز الاقتراع، لتحية بعضهم البعض بهذه الاستجابة باعتبارها تحدياً “أقوى، أسرع، أعمق”!.
لاشك أن الانتخابات سيترتّب عليها ضجيج، لن يلاحظ أحد أنه سيؤدي إلى انهيار “بيت الورق بأكمله”، على حدّ تعبير جورج دبليو بوش. ولكن مهما حدث، فأنت بحاجة إلى أن تطمئن، لأن الولايات المتحدة ليست ديمقراطية، ولا يهمّ من هو الرئيس، ولكن إذا كنت تريد التصويت، فافعل ذلك عن طريق قلب عملة معدنية.