“أولاد آدم”.. الفساد مغلفاً بغطاء المبادئ والأخلاق
يتناول مسلسل “أولاد آدم” لرامي كوسا والليث حجو، ومشاركة نخبة من النجوم السوريين واللبنانيين، شخصية وزيرة العدل في الدراما – أدّتها ماغي بوغصن – ويطرح سؤالاً تُترك إجابته للمشاهدين: إلى أيّ مدى يستطيع الإنسان الشريف، سواء أكان رجلاً أم امرأة، حينما يتقلّد منصباً ما، أن يبقى نزيهاً ولا ينجرف مع الضغوطات والتهديدات من المحيطين به المتورطين بالفساد والأخطاء؟
هذا ما تعرّضت له وزيرة العدل ديمة التي بدأت بمحاربة الفساد والبحث عن الخيط الذي يوصلها إلى رئيس عصابة الاتّجار بالمخدرات التي تضيّع مستقبل الشباب وتدمّرهم، ولاسيما أن شقيقها تعرّض للإدمان، فتجد نفسها على المحك حينما يهدّدها خليل- مجدي مشموشي – بعد أن يتمكّن من إخفاء كل الأدلة التي تدينه، ويواجهها بأنها تقرأ من وجهة نظرها فقط، وفي الوقت ذاته ترضخ ديمة لتهديد مايا الراقصة التي تهدّدها وتجبرها على تهريب شقيقتها المحكومة بالمؤبّد من السجن مقابل الحصول على الفيديوهات الفاضحة التي صوّرها غسان زوج الوزيرة الإعلامي – مكسيم خليل- الشخصية المحورية في العمل، المحرّك للأحداث من خلال شخصيته المركبة المعقّدة، إذ يخفي حقيقته الشريرة ويظهر الوجه الآخر ويتقن التمثيل بتعبيرات وملامح وجهه وكلامه، ويستغل عمله بتقديم البرامج الاجتماعية لتورّطه بالفساد الأخلاقي، مثل حلقة زواج القاصرات، فيستغل نور القاصر بعلاقة غير شرعية، ويصوّرها بفيديو فاضح يودي بها إلى الانتحار، ويتضح أنه يقوم باستدراج الفتيات وتصويرهن والاحتفاظ بالفيديوهات على جواله الذي سرقته مايا ليدخل الأحداث سعد – قيس الشيخ نجيب – الذي يعيش من السرقة ويرتبط مع مايا بعلاقة غير شرعية، وتجمع شخصيته بين الخير والشر ويبدو بكاركتر مختلف من خلال فقده عينه اليسرى، ربما إيماءة إلى الجانب الضعيف المخفيّ من شخصيته.
أربع شخصيات تتقاسم البطولة وتتصاعد الأحداث التي رسمها رامي كوسا من حولها، فيتناول بجرأة منصب الوزيرة والنائب وتجار البشر والأموال المتنفذين، ويتطرّق إلى الشباب الذين هربوا من سورية خوفاً من الموت ليجدوا الموت الاجتماعي والنفسي والأخلاقي الذي يخنقهم، مثل شخصية وسام – أنس طيارة – صديق غسان وسعد وحتى غسان نفسه الذي يستشري بالخطأ والفساد ويعاني – كما وصفته زوجته الأولى التي هربت بجنينها منه إلى أمريكا – مرض “السايكوباث”، فيبدو بمظهر جذاب وكلام منمّق يقنع الطرف الآخر بتمثيله وتبنيه الحدث، بينما في الحقيقة يدمّر الآخرين والمحيطين حوله دون أن يشعر بأي ذنب، إضافة إلى محاولته التأثير السلبي على الآخرين، كما في المشهد الذي يجمعه مع زوجته ديمة ويمنعها بتورية عن متابعة فتح ملف قضية المخدرات: “لا تتمسكي بمانشيتات لا يقبلها الأطفال في أفلام كرتون”، ويبدو تأثيره السلبي أكبر في مشهد حواره مع القاضي الذي يدرس ملف قضية المخدرات ويؤثر عليه باللهجة الذكورية: “كيف يكلفون امرأة تغلب عليها مشاعرها بصنع القرار بالحكومة التي تحكم البلد”؟!
يتغلغل العمل أيضاً في كشف خطوط الفساد وتورّط رجال الأمن به، مثل شخصية بسام -طلال الجردي- المتعاون مع سعد والذي يعمل معه بالسرقة ويساعدهم على تهريب السجينة، ليدخل رامي كوسا بذكاء إلى واقع السجينات، الصورة التي تكرّرت في الدراما والسينما بإظهار تسلّط السجينة القوية وتحكمها بالسجينات، الصورة التي تظهر بوضوح الظلم الاجتماعي الذي يوقع المرأة بالجريمة لتجد الظلم أيضاً داخل القضبان، وتكرار هذه الصورة يدلّ على استمرارها مثل غيرها من المسائل الاجتماعية دون حلّ، كما يجسّد العمل الفروقات الطبقية بشكل غير مباشر.
عمل الليث حجو على انتقال الكاميرا مع انتقالات الشخصيات الأربع وتداخل الشخصيات الثانوية، فتمكّن من شدّ انتباه المتلقي والتأثير عليه للمتابعة الدقيقة، واختار أماكن مناسبة تماماً لأوضاع الشخصيات، إلا أنه تناول شخصية الوزيرة من الناحية النفسية إثر مفاجأتها بحقيقة غسان وما يتبع ذلك، وابتعد عن إظهار الدور الفعلي العملي لوزيرة العدل، فبدا مكتبها خالياً من الشخصيات المهمّة التي تحدّد مواعيد لمقابلة الوزيرة، مثل القضاة والمحامين والشخصيات الرسمية، واقتصر دور مدير مكتبها على ترديد تحية الصباح وتعليق المعطف على المشجب، بينما المرافق يحمل حقيبة يدها، وتدخل الكاميرا إلى مكتب الوزيرة فنرى نظراتها الشاردة وهي تفتح الكمبيوتر الشخصي، ولم تقم بأية جولات ميدانية أو باجتماع أو تناقش وضع الوزارة، فكانت شخصية الوزيرة العملية غير مقنعة.
“أولاد آدم” عُرض خارج الموسم الرمضاني، الأمر الذي أعاد المشاهدين إلى الشاشة الفضية ليجتمع الأصدقاء أو أفراد الأسرة للمتابعة خارج أوقات رمضان. ومن خلال الإعلانات ستُعرض مسلسلات عدة متتابعة، ما يشير إلى تغيّر درامي بما يتعلق بتوقيت العرض ويمنح الفرصة لتوزّع العروض على مدار العام.
ملده شويكاني