الانتخابات تكشف عيوب النظام الأمريكي
عناية ناصر
شهد عام 2020 أزمات تلاحق الولايات المتحدة الواحدة تلو الأخرى، بدءاً من انتشار فيروس كورونا إلى الاحتجاجات المناهضة للعنصرية. ومع ذلك، قبل مواجهة هذه التحديات، تظهر أزمة جديدة هي الانتخابات الأمريكية.
نشرت مجلة “ذي أتلانتيك” مؤخراً تلخيصاً لعددها في تشرين الثاني بعنوان “الانتخابات التي يمكن أن تحطّم أمريكا”. رأى خلاله بارتون جيلمان، الصحفي الأمريكي والمؤلف الأكثر شهرة بتقاريره عن هجمات 11 أيلول، أن جائحة الفيروس التاجي، الذي لا يمكن ضبطه، وطوفان بطاقات الاقتراع البريدي، وجهود متجدّدة لقمع الأصوات، وسلسلة من الدعاوى القضائية، تثقل كاهل الآلة الانتخابية المتعثّرة في البلاد.
في الماضي، كان يمكن اعتبار مثل هذا التحليل في بلد ديمقراطي نظرية مؤامرة مجنونة، لكن في الولايات المتحدة اليوم، ما يُسمّى بمنارة الديمقراطية، أصبح مثل هذا التحليل حقيقة قائمة.
عندما سئل عما إذا كان سيصادق على انتقال سلمي للسلطة بعد انتخابات تشرين الثاني، رفض الرئيس ترامب التعهد بالالتزام قائلاً: “لن يكون هناك انتقال.. سيكون هناك استمرار”. وسرعان ما أثار ذلك انتقادات من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وذكّرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ترامب في اليوم التالي بأنه “ليس في بلد ديكتاتوري”.
هناك بالفعل ما يكفي من الغموض حول انتخابات تشرين الثاني في الولايات المتحدة للتعامل معها، مثل رفض بطاقات الاقتراع لتغيبها عن الموعد النهائي خلال الانتخابات التمهيدية، وإزالة علب البريد من قبل خدمة البريد الأمريكية. أصبح الانتقال السلمي للسلطة بعد الانتخابات، والذي من المفترض أن يكون أحد الخصائص الحيوية للديمقراطية الأمريكية “الناضجة”، معضلة أخرى!. ولا يمكن لأحد أن يكون على يقين ما إذا كانت الانتخابات ستجري بما يتماشى مع رغبات غالبية الناخبين الأمريكيين.
من سيحدّد نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ الشعب الأمريكي أم سياسيون معيّنون؟ من المدهش أن السؤال تُرك دون إجابة. للأسف، حتى دستور الولايات المتحدة والقانون الفيدرالي لا يضمنان الانتقال السلمي للسلطة، وفقاً للباحث القانوني الأمريكي لورانس دوغلاس، الذي أشار إلى أن الانتقال السلمي هو ببساطة أمر “تفترض” القوانين الأمريكية أنه سيحدث!.
كونها فخورة بالعملية الانتخابية، كانت الولايات المتحدة تشير باستمرار بأصابع الاتهام إلى الأنظمة السياسية في البلدان الأخرى. في البلدان التي يعتبرها العم سام خصوماً، تميل واشنطن إلى اتهام اختيار قادة الدول بأنه غير عادل، إذا كان يتعارض مع إرادة الولايات المتحدة، لكن انتخابات الولايات المتحدة نفسها في أزمة الآن. والأسوأ من ذلك، أن مصداقية العملية الانتخابية الأمريكية تواجه تحديات خطيرة، إذ أعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي كانت تراقب الانتخابات الأمريكية منذ عام 2002، أنها ستقلّص مجموعة المراقبين الـ 500 المخطّط لها إلى 30 مراقباً فقط لمراقبة انتخابات تشرين الثاني هذا العام، بسبب أزمة COVID-19، مما خلق المزيد من الشكوك حول النتيجة المرتقبة.
لا تزال الولايات المتحدة تُدعى ديمقراطية، ومع ذلك فهي تزداد نفاقاً وانعداماً للعدل وعدم القدرة على التواصل، وعدم القدرة حتى على عكس إرادة شعبها. يتمّ اختطاف انتخاباتها من خلال الاقتتال السياسي، في حين أن الانقسامات التي تبدو غير قابلة للإصلاح تتجذّر في المجتمع الأمريكي!.
إن الأزمات التي تواجه الولايات المتحدة ليست عرضية، ولكنها نتيجة للاضطراب المتزايد في النظام السياسي الأمريكي. لقد أصبح الأمريكيون، الذين اعتادوا على الاعتقاد بأنهم هم المختارون لنشر القيم الديمقراطية في العالم، مجرد ناخبين عاجزين اليوم.