عجز التماشي
لم يجلب التأخير في “إصلاح الوظيفة العامة”، وإعادة إنتاج البيئة المناسبة للعمل الإداري والإنتاجي، سوى الخيبة والفشل في قيادة الإدارة المؤسساتية والانتقال بالأداء إلى السوية الأفضل، وهذا ما تلمسناه حقيقة في وزارات وجهات وقعت في عجز التماشي مع التطور التقني والقيادي، بعدما فشلت العديد من التجارب والمحاولات والمشاريع التطويرية والتحديثية التي استهدفت الإدارة العامة والمراتب الوظيفية خلال سنوات طويلة، ولم تكن النتائج بالمستوى الذي كانت تأمله القيادة الحكومية وعرابو التغيير وغيارى إنقاذ القطاع العام من لعنة الترهل والروتين والبيروقراطية الإدارية؟.
اليوم، ثمة موجة جديدة من التغيير المطلوب وهي ألا يكون بالقالب التقليدي الذي يقوم على ثقافة إعلامية ترويجية ليست ملزمة للمدراء وأصحاب القرار، بل بإعادة النظر بأهم القوانين التي تعتبر “الأم” كالقانون الأساسي للعاملين في الدولة الذي يحمل على عاتقه توصيف الإدارات أولاً بالعليا والمتضمنة وظائف معاون الوزير ومعاون رئيس هيئة أو جهة عامة والمدير العام، وكذلك الإدارات الوسطى من سوية وظائف معاون المدير العام والمدير المركزي ومدير الفرع ومعاون المدير.
ونستذكر أنه منذ سنوات وتحت عنواني “الإصلاح الإداري” و”مكافحة الفساد” العريضين، راحت وزارات الحكومة تشتغل على المزاوجة بين هذين العنوانين من خلال تنمية الطبقة العاملة في القطاع العام علمياً ومهنياً وثقافياً لمواكبة متغيرات العالم والمجتمع العلمي والعملي.
حكى الكثير آنذاك أن الباب الأكثر حداثة هو المراتب الوظيفية التي قسم فيها العاملين في الدولة إلى فئات أربع، تتضمن الأولى حملة الإجازات الجامعية بمختلف أنواعها وتحتوي على مراتب خمس يبتدئ المعين فيها من المرتبة الخامسة ويتدرج إلى المرتبة الأولى مع مراعاة مدة زمنية يبقى العامل فيها حتى يصل إلى مرتبة أعلى وهي في الخامسة أربع سنوات تتضمن دورات تدريبية للأداء ويخضع بعدها لاختبار الكتروني لا تدخّل فيه للعنصر البشري يختبر فيه إمكانيات وقدرات هذا العامل وإن نجح فيه ينتقل للمرتبة الرابعة ويحصل على 10% زيادة على دخله ناهيك عن العلاوة التي تبلغ 9% مرة كل سنتين، وصولاً إلى المرتبة الثانية المؤهلة لمنصب مدير عام والتي يصعب مستوى الاختبار فيها حتى المرتبة الأولى المؤهلة لمنصب معاون وزير والتي تتطلب في الشخص أن يكون لديه خبرة في العمل لا تقل عن 22 سنة كحد أدنى.
هنا يعوّل الكل على أن هذه الاختبارات هي امتحان لقدرات القيادة والسلوك وإدارة الموارد البشرية والخبرة العلمية والفنية، ومن يجتازه يكون شخصاً قادراً على اتخاذ القرار، وبذلك يمكن القضاء على مكامن الفساد والمحسوبيات في قرارات الترقية والتعيين الوظيفية، كون التعيين أصبح وفق القانون وليس مسألة شخصية…واليوم أين نحن من طروحات من هذا القبيل.. ولماذا تدفن هكذا أفكار ومشاريع حتى قبل أن تولد.. أليس وجعنا في الإدارة الفاشلة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه.. ولننتظر القادمات من الأيام وأين سنصل.. فالمستقبل مكتوب من شواهد الماضي واليوم؟
علي بلال قاسم