حرائق كارثية تتطلب الانطلاق بمشروعات وبرامج تأهيل بعيداً عن التوصيف والتحليل
اللاذقية – مروان حويجة
لم يسبق أن تعرّض غطاؤنا الأخضر بشقيه الزراعي والحراجي لمثل هذه الحرائق الكارثية المدمّرة التي طالت وامتدت إلى نحو ١٥٠ قرية وموقعاً في ريف محافظة اللاذقية، والتي حمل إليها يوم ١٠ تشرين الأول كارثة حقيقية بكل الأبعاد والجوانب، إذ لم يسلم البشر ولا الشجر أو الحجر من شبح الحرائق الدامية المدمّرة التي خلّفت خسائر فادحة، وأحالت قرى ومزارع إلى مناطق منكوبة بعد أن تقطّعت جراء هذه الحرائق سبل العيش، وتحوّلت مساحات واسعة من الغطاء الأخضر إلى أعمدة متفحمة وأراضٍ جرداء وحقول جدباء بعد أن اجتاحتها حرائق كبيرة هي الأكبر والأشدّ ضراوة منذ سنوات، عمّت مختلف مناطق محافظة اللاذقية وأسفرت عن خسائر بشرية وأضرار مادية، وأدّت إلى إخلاء المنازل من قاطنيها في عدة قرى من ريف المحافظة.
وإذا قلنا إن تقدير الأضرار والخسائر والتداعيات ما زال مبكراً، لأن الحصيلة كبيرة وفادحة، وهذه يمكن حصرها من قبل الجهات المعنية التي أعلنت عزمها تعويض المتضررين والمساهمة في ترميم البنى المتضررة للتخفيف عن المتضررين، فإنّ هول ما حصل يستوجب تخطي هذا الحدث الصاعق والخروج من أجوائه الداكنة الدامية باتجاه فعل ما يمكن فعله على الأرض، بعيداً عن التوصيف والتنظير والتحليل، لأن هذا كلّه لم يعد له أية قيمة مطلقاً، بل على العكس هو بشكل أو بآخر مضيعة للوقت والتفاف على الكارثة وآثارها الفادحة، وبالتالي ينبغي على الوزارات والمؤسّسات إطلاق خططها وبرامجها العاجلة دون أي تلكؤ أو تأخير لإعادة تأهيل وترميم ما يمكن ترميمه بشكل عاجل وفوري، ولاسيما أن معظم الشبكات والمرافق الخدمية قد تضررت، كما أن الاحتياجات قد تأثرت وتقلّصت، ناهيك عن التشويه الذي طال مساحات واسعة من ريف اللاذقية، وهذه الخسائر والتداعيات خطرة بالمدى المنظور والبعيد من حيث آثارها على الغطاء النباتي، حيث يؤكد رئيس دائرة وقاية النبات في مديرية الزراعة الدكتور إياد محمد أن الحرائق التي تواجهها سورية سيكون لها تبعات على البشرية جمعاء، فمناطق حدوث تلك الحرائق هي من أغنى أجزاء الهلال الخصيب بالأصول الوراثية التي مدّت الإنسانية وما زالت تمدّها بالمحاصيل الحقلية والأعشاب الطبية وغيرها من الأصناف، هذه الأصول الوراثية ستبقى الضامن لغذاء البشرية وعلاجها في حال وقوع الصدمات والكوارث. ويتساءل د. محمد: هل سنشهد اهتماماً عالمياً بالتصدي لتلك الحرائق ومدّ يد العون، أم ستبقى السياسة أولوية على حساب أمننا الغذائي والدوائي؟.
أما عن حصيلة الحرائق التي تعرّضت لها محافظة اللاذقية خلال الأيام الثلاثة الماضية، فقد أوضح مدير زراعة اللاذقية المهندس منذر خيربك أن محافظة اللاذقية تعرّضت لـ78 حريقاً أُخمد منها 28 حريقاً بشكل تام، وقد توزّعت وفق التالي: الحرائق في اليوم الأول قرى الميدان، البسيط، كسب، الرستين، البدروسية في اللاذقية، وقرى مسيت، مرج معيربان، الجبيرية، غليمة، بحمرا تبعلة، القلمون، جليلة، العرين في القرداحة، والبراعم، بنجارو، ديروتان، بسطوير، رويسة الحجل، عين الشرقية، سربيون، الرعوش، ضهر بركات، الحويز، البودي، البطشاح، عين جندل في جبلة، والعذرية، شريفا، كفرية، رسيون، دفيل، بيت الشكوحي، البلاطة، خدللو في الحفة. لتتبعها في اليوم التالي حرائق أخرى في ستخيرس، الجماسة، ماخوس باللاذقية، ونقورو، بكراما، بقني، البور، رأس العكاوية، الفرن الآلي، بني عيسى، بحورايا، القاموع، الشيخ علي سعد، بصراما، نيننتي، شديتي، كلماخو، البقيعة، شير قبوع، عين عيدو في القرداحة، وفي سربيون موقع ثانٍ، البودي موقع ثانٍ، البشراح، بيت قنوط القطيلبية، درمنية، المرواسية، السخابة، بيت ياشوط، بشيلي، جويبات، عين الشرقية موقع ثانٍ، جوب ياشوط، قرفيص، كفر دبيل في جبلة، إضافة إلى ديفة، شريفا، بابو، مرديدو، منجيلا في الحفة. وتسبّبت الحرائق بحدوث 3 حالات وفاة: عدنان إبراهيم سليمان (85 سنة) من قرية دفيل في الحفة- رفعت كامل فندي (44 سنة) من قرية بللوران بمنطقة اللاذقية- وإيليا عزيز سليمان (32 سنة) من الفاخورة، مع إصابة حالة واحدة بحروق من الدرجة الأولى، و70 حالة اختناق جميعها بحالة جيدة وتمّ تخريجهم أصولاً في اليوم نفسه بعد تقديم الإسعافات الأولية.
وحول المناطق المتضررة، بيّن مدير الزراعة أنه نجم عن الحرائق تضرّر 143 قرية توزّعت بين مناطق المحافظة، منها 70 قرية في القرداحة، و52 قرية في جبلة، و٨ قرى بمنطقة اللاذقية، و13 قرية بريف الحفة. وتركزت الحرائق في الأراضي الحراجية والزراعية، مع تضرّر في منازل المواطنين بعدد من القرى، إضافة إلى تضرّر مستودعات التبغ في مدينة القرداحة، وانهيار الكتلة الشرقية منها المكوّنة من أربعة طوابق، مبيناً أنه ونتيجة تهديد النيران لمنازل المواطنين في عدد من القرى اضطر الأهالي لهجرها مؤقتاً والانتظار في أقرب مكان آمن لغاية إخماد الحريق، كما حصل في بللوران وزغرين وقمين والخشخاشة وأم الطيور وبعض قرى القرداحة.
وعن الإجراءات لمساعدة الأهالي المتضررين، أشار خيربك إلى أنه تمّ وضع باصات النقل الداخلي بتصرف رؤساء البلديات ومديري المناطق لنقل المواطنين الذين لديهم منازل أو أقارب للمبيت عندهم وفق رغبتهم مؤقتاً (زغرين، الخشخاشة، وطى دير زينون، ديروتان)، ويتمّ التنسيق مع الجهات كافة لوضع إمكانياتها بالخدمة لاستقبال حالات المبيت (جامعة تشرين، المعهد الفندقي، المراكز الثقافية، شاليهات خاصة في مدينة اللاذقية، وفي حال الضرورة اللجوء للمدارس)، كما تمّ تأمين سلل غذائية صغيرة يومية (معلبات، مياه، خبز)، وحتى تاريخه لم يتمّ الطلب إلينا وعبر جميع الجهات (البلديات، الشؤون الاجتماعية.. وغيرها) تأمين إقامة أي عائلة أو أفراد.
وفي النهاية فإن ثروتنا الحراجية تعرّضت خلال الأيام القليلة الماضية لأعتى وأقسى كارثة طبيعية وبشرية حقيقية، عصفت بها واستنزفت مواردها والتهمت غطاءها الأخضر، لتتّسع بؤرة آثارها وأضرارها السلبية الفادحة، والحصيلة خسارة بيئية واقتصادية بكل المقاييس، وأيضاً خسارة إنتاجية ناجمة عن ضياع الموارد والنواتج الخشبية. ولأنّ لغطائنا النباتي الحراجي والزراعي واقعاً مريراً ومؤسفاً في ظلّ شبح الخطر الداهم المتربّص به، حرقاً وتعدّياً وعبثاً، فإنّ الرهان الأزلي رغم فداحة وقساوة كل ما حصل يبقى على الجانب الوقائي والوعي البيئي والنهج التشاركي، ولكن تبقى العبرة دائماً في التنفيذ وجدوى التطبيق ومدى التحقيق الملموس من هكذا برامج وخطط ومشروعات لكبح هذا النزيف الحيوي الخطر والجائر، لأن ثروتنا الحراجية تنزف مواردها مجدداً، ونيران الحرائق تلتهم مساحات جديدة من الغطاء الأخضر، وقد بات إطلاق البرامج والخطط الوقائية من أهم المعالجات الشافية الضرورية والحتمية.