رغم الأكاذيب سينتصر الواقع في النهاية
ترجمة: عائدة أسعد
عن الغارديان
بعد أيام قليلة من وفاة روث بادر غينسبيرغ قاضي المحكمة العليا في أمريكا، اجتمعت مجموعة من الشخصيات للمطالبة بعدم ترشيح خليفتها إلا بعد الانتخابات الرئاسية. اجتمعوا في حديقة الورود بالبيت الأبيض يتحادثون همساً ويتبادلون التحيات من دون إحساس بالحدث السياسي، بل احتفالاً بالنصر الخالص. اندفع أعضاء من الدائرة المقرّبة من دونالد ترامب في الحزب لتكريم إيمي كوني باريت المرشّحة للمحكمة العليا، غير آبهين بقيود المساءلة العامة أو الوعد الأخلاقي. كما لم يشكّل الوباء الذي اجتاح البلاد أي مصدر لقلقهم في حديقة ورود بهية، رغم إصابة ترامب وسبعة آخرين على الأقل بفيروس كورونا!.
لسنا معتادين على تلقي ترامب أي لومٍ على أفعاله، ولا تزال رئاسته حتى الآن مدرسة في اللامبالاة -من جانب الحزب الجمهوري وأنصاره الأوسع في جميع أنحاء البلاد- تجاه أيّ من أفعاله، بغضّ النظر عن كونها غير أخلاقية أو غير نزيهة أو غير جديرة أو حتى غير قانونية، ولكن ما حدث من غطرسة في حديقة الورود أجلى العماء عن حقيقة الفرعون الذي اعتقد أنه إله تباهى بإفلاته من العقاب وعوقب بالوباء.
كل شيء طبيعي، فكما كان هناك سبب لاستسلام بوريس جونسون لفيروس كورونا بعد أيام قليلة من تفاخره بمصافحة الجميع خلال زيارة للمستشفى، هناك منطق وراء إصابة ترامب بعد أيام من حضوره حدثاً تجاهل جميع قواعد السلامة. هناك الكثير مما يستطيع الرئيس وحزبه القيام به عندما يتعلّق الأمر بتغيير الحقيقة، لكن وجهه الشاحب والمرهق وهو يظهر بالفيديو في المستشفى كان دليلاً على حدوده.
رغم ما حصل له، لن تكون تلك لحظة تعليمية بالنسبة لترامب أو لحزبه، ولن يكون هناك تواضع أو رزانة أو في الواقع أي احترام لدولة عانت مئات الآلاف من الوفيات في ظل زعيم سخر ووبخ أولئك الذين يرتدون أقنعة، وآخرها منافسه الرئاسي خلال المناظرة المتلفزة.
قبل أسابيع فقط من الانتخابات -التي تتطلّب اتصالاً دقيقاً وتنسيقاً وثيقاً بين البيت الأبيض والطاقم الطبي لترامب- سارت الإدارة في طريق الأنظمة الاستبدادية، حيث قامت بتصوير الرئيس وهو يوقع أوراقاً بيضاء لإعطاء الانطباع بأنه يواصل العمل. وترامب نفسه حتى في ضيق أنفاسه تباهى بقراره بمغادرة البيت الأبيض والذهاب إلى المستشفى بالقول إن هذا ما يفعله زعيم عظيم: “لا يمكن أن أكون محبوساً في غرفة في الطابق العلوي وأن أكون آمناً”.
يجب أن يكون ذلك دعوة للاستيقاظ لهذه الإدارة وفرصة لرسم مسار تصحيحي في معالجة الفيروس، ولكن للأسف لا توجد فرصة لحدوث ذلك، فإذا خرج ترامب من المرض سيوظف هو ومؤيدوه شفاءه لخدمة المزيد من الدعاية حول قوته ومرونته، أو سيستخدم عودته كذخيرة لإثبات أن فيروس كورونا يمثّل بالفعل تهديداً مبالغاً فيه. وسيجد طريقة لاستخدام الفيروس ضد جو بايدن الذي سيدّعي أنه رجل هشّ لا يعرف كيف يشعر الأمريكيون، لأنه ظل منعزلاً بعيداً في مأمن من الفيروس مختبئاً وراء قناعه، وستعاد صياغة مرض ترامب الذي أصيب به نتيجة إهماله وغروره كدليل على كونه رجلاً من الناس اختلط مع شعبه لدرجة أنه وقع أيضاً في الفيروس.
ومن ناحية أخرى إذا ساءت حالة ترامب سيكون هناك الكثير من نظريات المؤامرة وأزمة ديمقراطية محتملة، ولن تكون هذه الإدارة قادرة على الإدارة الجيدة في أوقات الاستقرار لتقوم بذلك في الأزمات، وبالنسبة للحزب الذي هدّد رئيسه بالفعل بعدم مغادرة البيت الأبيض في حال حدوث هزيمة انتخابية ستتمّ محاولة تعليق المزيد من المبادئ.
المخاطر كبيرة جداً والوقت السابق ليوم الاقتراع قصير جداً، وبدلاً من حساب عدد القتلى الأمريكيين الخيالي، وحقيقة أن الرئيس نفسه تعرّض للخطر بسبب الاستجابة الضعيفة للوباء، فإن أبشع عراك حالياً أصبح على البطاقات، وسيتدافع الحزب على جثث الموتى لتأمين مصالحه كما فعل مع غينسبرغ.
ومهما كانت المكاسب التي سيقدّمها الاستغلال الساخر لمرض ترامب له ولحزبه، فإن الأيام القليلة الماضية تذكّر بأن هناك بعض الأشياء بعيدة عن متناولهم، وهناك بعض الجرائم التي لا يمكنهم تجاوزها، وإخفاقات دونالد ترامب العميقة في القيادة وتواطؤ الجمهوريين في تلك الإخفاقات سيطالبون بها في نهاية المطاف، وعلى الرغم من كل الأكاذيب فإن الواقع سينتصر في النهاية.