التراجيديا والكوميديا في السياسة العالمية
أحمد حسن
ببساطة يمكن للمراقب المهتم “الإمساك” بشيء من التراجيديا في اتهام كبير علماء الحكومة الأمريكية لحملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتضليل بشأن دور هذا الأخير في محاربة كورونا. ترامب ذاته كان يخطط للظهور بقميص “سوبرمان” لحظة خروجه من مركز وولتر ريد الطبي العسكري بعد إصابته بالفيروس، الذي لطالما هوّن من شأنه، وتلك لحظة ستكون، لو اكتملت، كوميدية بحتة لا لبس فيها، والرجل كان سيقدمها ببراعة فهو بالأصل رجل إعلام، بالمعنى الإعلاني لا المهني.
حملة ترامب قدّمت فيديو ترويجياً يظهر فيه الدكتور أنتوني فوتشي خبير الأمراض المعدية وهو يقول إنه “لا يستطيع تخيّل أي شخص يستطيع فعل المزيد لمحاربة كوفيد-19″، في تلميح أنه كان يشير إلى الرئيس الأمريكي. وتلك لحظة تراجيدية بامتياز، فـ “الحملة” تكذب، في إعلانها المصوّر، على الشعب. الرجل، أي الدكتور فوتشي، كان، أولاً، يتحدث عن نفسه وعن المسؤولين الطبيين الآخرين، كما أنه يُعتبر، ثانياً، من أهم من اختلف مع ترامب حول كيفية التعامل مع الوباء، وبالتالي هو أكثر من يعرف أن ترامب تسبب بموت عشرات، إن لم نقل مئات، الآلاف ممن صدقوا تضليله، باعتباره الرئيس..
لقد كانوا، أي جماعة “الحملة” يحاكون لحظة، بل لحظات، جادة للدكتور وفريقه في كفاحهم ضد الوباء، بلغة إعلانية مضلّلة لتجييرها لمصلحة مرشح “كوميدي”. سوبرمان في مواجهة وحش كوفيد 19. بالنتيجة، اجتماع التراجيديا مع الكوميديا سيكون ملهاة دامية، فهل نبكي ضحايا تضليل ترامب، أم نضحك على مظهره “السوبرماني”؟؟
وبالتأكيد لا تخلو السياسة العالمية من لحظات تراجيدية أو كوميدية، فهما حتميتان في الاجتماع الإنساني مهما تعددت صوره وأنواعه، لكن الملاحظ أن هذه اللحظات أصبحت تتزايد بوتيرة متسارعة في أيام ساسة الصدفة، خريجي مدارس “البلطجة” والتدليس بمختلف أنواعهما، وبالطبع الولايات المتحدة هي سيدة من يمتلك هذين النوعين في الآن ذاته – أحياناً في الشخص ذاته – دون أن ننكر حقيقة امتلاك ساسة الدول الأخرى للكثير من هاتين “الفضيلتين”.
المهم، بلد هذا رئيسها، وهذه حملته الانتخابية الموجّهة للشعب الأمريكي أولاً، من الطبيعي تماماً أن تجمع سفارتها في سورية بين التراجيديا والكوميديا أيضاً حين قالت في بيان لها – موجّه في حقيقته للشعب السوري أولاً – إن “الولايات المتحدة تتعاطف مع الفئات المتضررة من الحرائق في سورية”، ثم دعت الحكومة السورية إلى “اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ المواطنين بسبب الحرائق التي تجتاح البلاد”…!!
وبالتدقيق تبدو جرعة الكوميديا أوضح في الجملة الأولى، فيما التراجيديا تكاد تنضح من الثانية، لكنهما معاً تحفلان بنوع من العهر السياسي الفاقع والفاضح في الآن ذاته، فمتى كانت واشنطن تتعاطف مع “الفئات المتضررة” وهي تحاصرها بأقسى قوانين حصار عرفتها البشرية، ومن يعاني في سورية جراء منع دخول الغذاء والدواء، ومن هو المتضرر من معاقبة كل من يحاول إيصال نقطة وقود إليها؟؟!!، ووو…
آدم شيف، عضو الكونغرس الديمقراطي، وصف عقد ترامب “لمسيرة أخرى في البيت الأبيض تنشر الفيروس بشكل فائق”، بـ “الإفلاس الأخلاقي”. نحن السوريون يمكن لنا استعمال الوصف ذاته للرد على السفارة الأمريكية وبيانها المضلّل.
وكما أسلفنا، الجمع بين التراجيديا والكوميديا لا يقتصر على ترامب وسفارته فقط، فهذا أحمد داوود أوغلو يقول: إن “أردوغان وأسرته أكبر مصيبة حلّت بتركيا”، هذا صحيح، ولا أحد يناقش، أو يماري، فيه، بل ويمكن أن نضيف أنه أحد أكبر مصائب المنطقة بأسرها، ولكن.. ألم يكن أوغلو ذاته فيلسوف أردوغان المفضل، ثم مساعده السياسي الرئيس في تحقيق مآربه، وتزيين أوهامه، التي أنزلت المصائب بتركيا وسواها؟!.
في عصر هنري كيسنجر، وأمثاله – بالرغم مما تسببت سياسته من إزهاق أرواح الملايين من البشر ونحن منهم – كانت جرعة التراجيديا الحتميّة أكبر في عالم السياسة، أما في عالم ترامب فالكوميديا حتميَة أيضاً وجرعتها أكبر بكثير. في الحالين لسنا، كعالم ثالث، إلا “كومبارساً” لا دور له سوى مدّ البطل بالمال وتلقي الرصاص عنه لإكمال شروط عرض هذه الملهاة الدامية.