من يحاسب قصيري النظر؟
تضعنا شركة زيوت حماة أمام مثال حيّ على قصر نظر الجهات الحكومية الوصية على القطاع العام!
ما يجري في الشركة لا يختلف عما يجري في شركات أخرى توقف فيها الزمن منذ عقود، لأن الجهات الوصائية إما قصيرة النظر أو أنها ترفض تطوير شركاتها بما فيها الرابحة.
لم تكن شركة زيوت حماة سابقاً تعاني من توقف خطوط إنتاجها المصمّمة لعصر بذور القطن، لأن إنتاجنا من الذهب الأبيض كان يتجاوز المليون طن سنوياً. لكن الوضع اختلف تماماً بعد أن تراجع الإنتاج، وها هو مدير الشركة يعلن أن استمرار دوران الخطوط يتوقف على توريد بذار القطن!
حتى لو استمر الإنتاج على مدار العام فهو لا يتجاوز 40 طناً شهرياً، ومع ذلك فهو غير مرغوب من شريحة كبيرة من المستهلكين بفعل وجود زيوت نباتية منافسة، تلقى إقبالاً شديداً مثل عباد الشمس والذرة الصفراء.
كما يتجسّد قصر نظر الجهات الوصية بتسعيرها لزيوت القطن من خلال إلزام إدارة الشركة بعدم البيع بأقل من التكلفة، ما أدى في كثير من الأعوام إلى تكدّس العبوات في المستودعات. والتكلفة هنا ليست موضوعية لأن أسعار القطن بالأساس مدعومة وتشتريها الحكومة، وبالتالي فإن حساب تكلفة عصر بذار القطن غير واقعية، ولا يمكن تصريف الإنتاج بسعر موازٍ أو أقل بقليل من أسعار الزيوت النباتية الأخرى، سواء المصنّعة محلياً أو المستوردة.
في السابق كانت المؤسّسة العامة للصناعات الغذائية تسوّق الإنتاج من خلال ما يُسمّى بالصفقة المتكافئة مع شركات مصرية أي (الزيت مقابل الرز)، لكن التجربة توقفت سريعاً، وهذا أيضاً قصر نظر. أما قصر النظر الأكبر فهو عدم إحداث خطوط إنتاجية في شركات عامة لعصر زيوت الذرة الصفراء وعباد الشمس، بدلاً من استيرادها بالقطع الأجنبي!.
منذ سنوات واستهلاك السوريين من الزيوت النباتية يتزايد مع ارتفاع أسعار زيت الزيتون الذي تصل سعر الصفيحة الواحدة منه إلى عتبة الـ 100 ألف ليرة سورية. ومن المستغرب ألا تكترث وزارة الزراعة بتغيّر أنماط الاستهلاك رغم وضوحها الشديد، وكان يجب أن تضع في خططها السنوية التوسّع بزراعة الذرة الصفراء وعباد الشمس بالكميات التي يكفي عصرها الاستهلاك المحلي، وتصدير الفائض المدرّ لا المستنزف للقطع الأجنبي، لكنها لم تفعلها حتى الآن.. ترى لماذا؟
أما وزارة الصناعة فهي بدورها لا تزال قصيرة النظر بما يتعلّق بتطوير خطوط الإنتاج القائمة وإحداث خطوط جديدة بما يتناسب وتطور أنماط الاستهلاك، أي التركيز على الإنتاج القابل للتسويق السريع بل واليومي أيضاً. صحيح أن خطوط إنتاج عصر بذور القطن ضرورية ويجب أن تتوقع وزارة الصناعة عودة إنتاج القطن إلى ما قبل الحرب على سورية، لكن من المهمّ أيضاً أن يكون لدى الوزارة بُعد نظر، فتقوم بتركيب خطوط إنتاج جديدة لتصنيع بدائل مستورداتنا من الزيوت المستنزفة للقطع الأجنبي، بل وتصديرها بدلاً من استيرادها.
نستنتج مما سبق أن قصيري النظر في وزاراتنا ومؤسّساتنا الحكومية كثُر، والسؤال: هل من جهة تحاسبهم؟.
بالمختصر المفيد.. أما آن الأوان لكي تقوم الحكومة بتفعيل المجلس الزراعي الأعلى الذي يجمع الوزارات والمؤسّسات المعنية بالقطاع الزراعي كي يرسم السياسات التنفيذية لتصنيع بدائل المستوردات؟!.
علي عبود