أقـل مـا يـقـال .. خـطـورة “الـقـطـاع الـمـنـظـم صـوريـاً”..!
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
يتغلغل في أسواقنا وبين المواد المعروضة للبيع على رفوف وواجهات المحال التجارية الكثير من المنتجات والسلع غير النظامية (عديمة الهوية والمنشأ)، أي التي لا تحمل بطاقة بيان توضح مواصفاتها ونوعية المواد الداخلة في تصنيعها. وتنافس هذه المواد بقوة نظيراتها النظامية الحاملة لبطاقة البيان، حيث تنخفض أسعارها بنسبة 50% ،كونها نتاج ما يعرف بالاقتصاد غير المنظم، أو ما يسمى بـ “اقتصاد الظل” الذي لا تترتب عليه أية التزامات قانونية ومالية.
مؤكد أن هذا الاقتصاد يشكل ركنا أساسياً من أركان الاقتصاد الوطني، كونه يتيح فرص عمل لشريحة لا بأس بها من المجتمع، إضافة إلى مساهمته بشكل أو بآخر في الناتج المحلي الإجمالي، وبالوقت نفسه يلبي حاجات المستهلك بسعر يناسب ذوي الدخل المنخفض.
لكن هذا لا يعني أن هذا القطاع يعمل بشكل مثالي، أو أن علينا أن ندعه على ما هو عليه، إذ يجب العمل على تنظيمه وضبطه، لاسيما أن التقديرات الرسمية تشير إلى أن نسبته تتراوح ما بين 40 – 60%، ما يشكل خللاً في الاقتصاد الوطني، سواء من ناحية عدم التزام القائمين عليه بمواصفات ما ينتجونه من السلع والمواد الاستهلاكية خاصة الغذائية منها، أو من ناحية تفويت الموارد على الخزينة العامة للدولة، إلى جانب أن تنظيم اقتصاد الظل يعطي مؤشراً يمكِّن من معرفة احتياجات السوق والمواطن والاقتصاد الوطني ككل، بحيث يتم توجيه هذا الجزء من النشاط الاقتصادي في الاتجاه الصحيح، وبما يضع الدولة بالصورة الصحيحة للنشاط الاقتصادي.
نذكر أن وزارة المالية تصدت لهذا الموضوع من خلال المسح الجغرافي لمكلفي الدخل المقطوع عام 2007، والذي كشف كثيراً من الفعاليات غير المكلفة وغير المعروفة، حيث تم كشف نسبة تجاوزت الـ 20% من مجموع المكلفين على مستوى القطر آنذاك، في حين أن بعض المعلومات تشير أن النسبة أكبر من ذلك، فهناك قطاع غير منظم على مستوى عال وخطير، لدرجة أن هناك مصانع برادات غير معروفة تشتري مواد أولية وتبيعها في السوق وهي غير مكلفة، وقد لعب الاستعلام الضريبي – في فترة من الفترات التي سبقت الأزمة – دوراً كبيراً في كشفها، وكشف مطارح ضريبية أخرى.
إن أسباب تفاقم ظاهرة اقتصاد الظل تتمثل بتهرب المكلف من أي التزامات تجاه الدوائر الحكومية، سواء ما يتعلق منها بالضرائب أو التأمينات الاجتماعية لعماله، أو ما يتعلق باشتراكات الماء والكهرباء، وغير ذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى أن لوزارة الإدارة المحلية دوراً رئيسياً في الكشف عن هذا القطاع، إضافة إلى المالية والصناعة، فعند إعطاء أي ترخيص صناعي لأي منشأة – على سبيل المثال – لابد من متابعتها باستمرار، والتأكد من مزاولتها للعمل المرخصة لأجله، كون أن هناك بعض الصناعيين تحولوا إلى تجار للمواد الأولية الداخلة في الصناعة، أي يعملون تجاراً تحت غطاء الصناعة من خلال بيع مخصصاتهم من هذه المواد، بمعنى أنهم باتوا يشكلون ما يسمى “قطاع منظم صوري”، وهؤلاء أخطر من غير المنظم، كونهم يشكلون بوابة الدخول إلى القطاع غير المنظم مستغلين إمكانية استيرادهم للمواد الأولية ليبيعونها لاحقاً لمن يعملون في الخفاء..!
أمام هذا المشهد، ثمة افتقار واضح، لدى الجهات الحكومية المعنية، للرقم المتوقع حول الموارد الضائعة على الخزينة العامة للدولة، نتيجة عدم تنظيم الورش والأنشطة الاقتصادية العاملة في الظل، فهناك بلا شك ضياع لمبالغ كبيرة على خزينة الدولة، وبالتالي فإن الفاتورة كفيلة بكشف كل المطارح الضريبية المخفاة، ومن يعمل في الخفاء لن يستمر في حال تطبيق نظام الفوترة، إذ سيضطر للتعامل بالفاتورة، وبالتالي سينكشف للدوائر المالية.
لاشك أن المنتجات الغذائية الصادرة عن الورش العاملة في الخفاء تمثل خطراً أكبر من بقية المواد الأخرى، وهذا يحتم منع تداولها بالأسواق، أو على الأقل مراقبتها لضمان حماية المستهلك من الأخطار المهددة لصحته وسلامته، لاسيما أنه يجد أمامه أصنافاً متعددة من السلع والمواد متفاوتة السعر والجودة، وغالباً ما يتدخل عامل السعر بحسم خياراته والإقبال على السلعة الأرخص ولو على حساب الجودة، وبالتالي باتت ضرورة التعاطي مع اقتصاد الظل وتنظيمه أمراً لابد منه، فهو بالدرجة الأولى يسمى في أغلب دول العالم بـ “الاقتصاد الشريف”، كونه لا يمت بصلة للمتاجرة بالممنوعات – كالمخدرات، وما شابه – كما أنه يلعب دوراً مهماً بتقليص نسبة البطالة وتأمين مستلزمات وحاجيات أسر كثيرة، ويرفد بعض قطاعات الاقتصاد الوطني بالدرجة الثانية، ما يحتم على الجهات المعنية تبسيط إجراءات تنظيمه ووضع شروط تشجيعية تدفع القائمين عليه للمبادرة والإقبال على العمل برعاية وظل القانون، حتى لا يستغل بعض ضعاف النفوس عملهم بالخفاء ويتاجروا بمنتجات تتنافى مع صحة المواطن.