للمسرح حضوره القوي رغم أنف كورونا.. وعروض الـ “أون لاين” لم تنجح!
“البعث الأسبوعية” ــ لينا أحمد نبيعة
ما يميز المسرح عن باقي الفنون كونه فن اللحظة الحية، وهذا ما جعله دائم الشباب والحيوية، وبالتالي استطاع أن ينافس السينما والتلفزيون، وكل ما يخص التكنولوجيا. والخروج عن تلك السمة، هو خروج عن جوهر المسرح، لكن بسبب الظروف التي نمر بها على مستوى العالم، وليس على مستوى سورية فقط، لم نستطع أن نحقق الشكل الطبيعي للمسرح، فجائحة كورونا كان لها تأثير مرعب وكبير على جميع مناحي الحياة؛ وللمسرح كان النصيب الأكبر، كونه يعتمد على التماس المباشر مع الجمهور الذي هو ركن أساسي من أركان المسرح، لذا لجأ البعض لعروض “أون لاين” عبر منصات التواصل الاجتماعي، وربما مهرجانات “أون لاين”، فهل نجحت هذه المحاولات للحفاظ على ألق المسرح؟ على كل حال، نحن نثني على أي محاولة تجعل المسرح حياً يرزق.
وهنا نتساءل: هل قدّر للمسرح أن يعيش عزلة في زمن كورونا؟ وهل يكفي تقديم أعمال مسرحية مصورة على منصات التواصل الاجتماعي؟ وهل ظل المسرح نابضاً في قلوب محبيه رغم استمرار الجائحة؟ وهل تأثيرها على الجمهور كان زائفاً أم حقيقياً؟ والسؤال الأهم: ما الذي قدمه القائمون على المسرح في سورية في ظل هذه الجائحة لفائدة المسرح والمسرحيين؟
حول هذا الموضوع كانت لنا وقفة مع بعض أهل المسرح في مدينة اللاذقية، وكان لكل منهم رأيه.
لكل فاكهة موسمها
الكاتب المسرحي د. حمدي موصللي يرى أن زمن الكورونا زمن عالمي، وبالتالي فالسؤال يطرح نفسه: هل كان لهذا الزمن تأثيره على المسرح في العالم؟ لا أعتقد، فتجربة المسرح عندنا في الأصل تعيش أزمة احتضار تعود لسنوات بعيدة قبل الحرب الكونية على سورية، وقبل زمن الكورونا. ويبقى زمن الكورونا واضح التأثير في الغرب، ولكن ليس بالتأثير الكبير، فنقصان عدد المشاهدين ليس بالمبرر لتراجع المسرح، بل على العكس؛ وها هي الحياة المسرحية في كثير من دول العالم تعود إلى ألقها، وها هي بعض المسارح تقدم أعمالاً مسرحية عن حرب صناعة الجرثوميات للقضاء على العنصر البشري، فالمسرح الحديث في موسكو يقدم مسرحية صناعة الهواء.
وأضاف موصللي: أيضاً، لكل فاكهة موسمها.. ليس من عادتي أكل البطيخ الأحمر في فصل الشتاء حتى لو كان البعض يفضل ذلك، كذلك المكان له روحه وتقاليده، فالمباشرة، والتهيؤـ والتفاعل، والتخيل، كل ذلك لا يستطع مسرح التواصل الاجتماعي تأمينه.. عندها سيكون كل شيء باهتاً لا طعم له، ولا رائحة، ولا لون، ولا قيمة تقدره، فاتباع القواعد الصحية المتخذة في صالات العروض كفيل بتقليل تأثير هذه الجائحة لدرجة يمكن أن يقال عندها أن الجائحة زائفة، ولا أعتقد أنه تم تقديم أكثر من التواصي والتوجيهات وبعض الإجراءات، من مثل إغلاق الحدائق والمسارح والمقاهي لفترة محددة فقط.
عزلة مؤقتة
الفنان المسرحي مصطفى جانودي يقول: من المؤكد أن المسرح عاش عزلة كاملة، لكنها كانت مؤقتة في فترة الحجر العام، وبعد انتهاء الحجر عاد للمسرح نشاطه وبقوة. لكن هناك حتى اللحظة خوف لدى الكثير من الجمهور من حضور عرض مسرحي، وذلك كحالة وقائية فقط.. بالتأكيد، لا تكفي منصات التواصل الاجتماعي لخلق حالة مسرحية، فالمسرح هو جمهور، إضاءة، موسيقا، ممثل.. كل هذه العناصر تتجسد حيّة أمام الجمهور، وهنا تكمن المتعة، ومن دونها يفقد المسرح الكثير من جمال خصوصيته، وأنا كمشاهد – وليس كممثل – لا أستمتع أبداً بالفرجة المسرحية عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويتابع جانودي: طبعاً، هناك أشخاص لم يتركوا أبو الفنون وحيداً رغم الجائحة، فالعروض مستمرة رغم استمرارها، وحتى اللحظة هناك أعداد من المصابين، ورغم ذلك جمهور المسرح لم يغادر عروضه المحببة لديه، وبرأيي هو تأثير زائف، فأخذ التدابير الوقائية كاف لأي إنسان أن يحضر إلى صالات المسرح دون ارتياب.. لاشك أنه كان لها أثر قليل على عدد الحضور، لكن الكفة رجحت لصالح ألق المسرح، مع أن القائمين على المسرح – وللأسف – لم يقدموا أي شيء على أرض الواقع سوى إغلاق أبواب المسارح وبعض التوصيات الشفهية.
خصوصية الطقس
وبرأي الفنان المسرحي نبيل مريش فإن المسرح يعيش شيئاً من العزلة ما قبل الجائحة، ومع كورونا زادت العزلة أكثر.. وهذا طبيعي جداً، لأن كل المجالات الأخرى عانت من هذا الوباء اللعين، وعلى الرغم من الحجر وإجراءات الوقاية، بقى جمهور المسرح متابعاً لفعالياته بشغف كبير، لأنه جمهور متميز بوعيه وذائقته الفنية العالية. وبالتأكيد، متابعة عروض المسرح على صفحات التواصل الاجتماعي لا تكفي ولا تفي بالغرض بما يخص الجمهور والممثلين، فلحضور المسرح طقوس خاصة ممتعه تنتشي فيها الروح والعقل، وبرأيي لابد من متابعة المسرح وتلقيه بشكل مباشر. وهنا أشير إلى الحالة الإعلامية التي تسهم بانتشار المسرح وإنصافه قليلاً، وأكاد أجزم بأن المسرح يبقى حاضراً وبقوه في قلوب وأرواح متابعيه، لأنه الحالة الفنية الوحيدة الملتصقة بمتلقيه مباشرة. وكما ذكرت، فهو فن اللحظة الراهنة بكل ما تحمل من جمال وصدق وثقافة. ولاشك أن تأثر الجمهور بحضوره خوفاً من الجائحة أمر طبيعي، لأن الناس بالعموم خافت على نفسها ومحبيها أيضاً، وهذه حالة صحية وواعية. وبالنسبة لمسؤولية القائمين على المسرح، لم أر شيئاً ملموساً قدموه في ظل هذه الجائحة، وهذا ليس من باب الملامة.. في هكذا وضع، لابد من الالتزام بقيود وشروط معينه للتواصل في المجتمع، ولابد من الإصرار على القواعد الصحية لتجنب تفشي الوباء.
نكهة خاصة
من وجهة نظر غادة إسماعيل، كمخرج مساعد، يبدو أن قدر المسرح أن يعيش العزلة في زمن الكورونا وخارجه.. المسرح صلة تواصل بين الناس، وهو عمل جماعي. ولكن في هذه الأيام العصيبة من كورونا والحالة الاقتصادية السيئة، بات الجميع في عزلة، وليس المسرح فقط، للأسف. وكما قلت سابقاً فالمسرح عمل جماعي، ولهذا يتطلب أن تكون الفرجة جماعية، وجمالية المسرح في طقسه الطازج. وبالحضور إلى المسرح ومشاهدة الممثلين بشكل مباشر، وسماع أصوات تنهداتهم وضحكاتهم، وأحيانا دموعهم، على خشبة المسرح.. هي حالة تفاعل وجدانية بين جمهور الصالة وبين الممثل، ومنصات التواصل الاجتماعية لا تفي بالغرض أبداً، لأن للمسرح ومنصته نكهة خاصة.. من يعشق المسرح يتوحد برائحة خشبته رغم كل الصعوبات التي يعانيها ممثل المسرح، وحتى الفنيين، من الظروف المكانية والمادية. ورغم فقر المسرح من الناحية المادية إلا أنه غني بحالاته، فحبات العرق التي تبذل على خشبته تعطيه صفة أبي الفنون. لهذا يبقى له محبوه رغم الجائحة، وحتى الحروب، ولاشك تأثر جمهور المسرح قليلا نتيجة الشائعات رغم عطشه الشديد للمسرح، ولهذا لم ينقطع عنه، بل كان حضوره جيداً مع المحافظة من قبله على الوقاية نوعاً ما. والقائمون على المسرح – للأسف الشديد – لم يقدموا الكثير، أما المسرحيون الحقيقيون فقد حاولوا جاهدين، رغم التعب والجائحة، أن يكونوا متواجدين مع أخذ الاحتياطات، ولكن لم يتوقفوا عن العمل. وهناك الكثير من الأعمال التي قدمت بظروف سيئة، ولكن إصرار أصحاب الرسالة الحقيقية لأن تبقى شعلة المسرح متقدة جعلت أبو الفنون حاضراً وبقوة.. ورغم أنف كورونا.