واجبنا الصمود أمام مختلف أنواع الحروب
د. عبد اللطيف عمران
لم ولن يدخر الشعب السوري وجيشه الباسل وقيادته أي جهد في الصمود أمام مختلف أنواع الحروب التي استهدفت البشر والشجر والحجر، الوعي والهوية والانتماء، المواقف والمبادىء والثوابت. فكان صموده أسطورياً بكل ما تحمل الكلمة من دلالات، صمود لا خيار سواه.
صمود في وجه قطعان الإرهاب وداعميه العابرة من أربع جهات الأرض، وفي وجه حملات الإعلام متنوّع الوسائل القائمة على التزييف والتضليل بهدف تشويه الوعي وتزييف الحقائق، وضرب الوحدة الوطنية والمجتمعية. في وجه سرقة النفط وحرائق المحاصيل في الشمال والشرق التي افتعلها المحتل التركي والأمريكي وعصاباته، وكذلك في وجه العقوبات والحصار. وأخيراً أتت الحرائق الأليمة في المنطقتين الوسطى والساحلية… إلخ.
في هكذا واقع عادةً ما يستذكر المرء مقولة طارق بن زياد: العدو من أمامكم والبحر من ورائكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، ونستذكر أيضاً قيمنا ومبادئنا، أرضنا المحتلة وحقوقنا، العدوان الظالم على الشعب والحرب على الدولة ومؤسساتها كافة، دون أن نتجاهل دور بعض الأنظمة العربية في تسعير هذا كله، هذه الأنظمة التي قوّضت المشروع القومي العربي بروح المقاومة والصمود فيه، فوقفت (جامعتها) دون حياء ضد القضية الفلسطينية إلى جانب الاستسلام والتطبيع.
وفي هكذا واقع أيضاً غاب القانون الدولي، ومع هكذا غياب احتكر الغرب الجيوسياسي بوحشيته دور المجتمع الدولي لبسط سيطرته على هذا القانون وعلى هذا المجتمع في محاولة منه لصياغة عالم جديد يخدم متطلبات جشعه واستبداده، احتكاراً لا يُواجه بالاستسلام، وكانت سورية البؤرة العالمية المعاصرة التي تمثلت فيها أنماط هذه الوحشية التي وقف عندها بالتحليل السيد الرئيس بشار الأسد في مقابلته مع وكالة روسيا سيغودنيا الإخبارية في 8/10/2020 فأوضح أنه:
(إذا كانت عندك مشكلة محلية فإن الغرب سيحوّلها إلى مشكلة دولية، فقط ليتدخل ويعبث في شؤونك، وإذا لم يكن لديك مشاكل فإنه سيبذل قصارى جهده لخلق المشاكل).
هذا الغرب وذيوله في المنطقة لا تغيب عنه أساليب الضغط على الشعب السوري بأنواعها، بهدف تفتيت صموده، ووحدته، ووعيه، ضغط يستهدف أيضاً لقمة العيش، وحبة الدواء ومقومات الحياة والبقاء في محاولة لإلهاء شعبنا عن أسباب مآسيه الحقيقية وتأليبه على حكومته ودفعه باتجاه النقمة على الدولة و مؤسساتها، فلا يبقى أمام بعض قطاعات الشعب إلا الحديث المبتذل عن الفساد، والخلل والتقصير، والغلاء، والاحتكار، والفقر… وهي ظواهر موجودة لا ننكرها، لكننا نعمل ما أمكن على التخفيف من آثارها انطلاقاً من أنها تحديات كغيرها، إذ هي نوع من أنواع الحروب سابقة الذكر وجزء من تداعياتها التي من واجبنا الصمود أمامها. من هذا المنطلق قال السيد الرئيس في المقابلة ذاتها: (مفاوضات جنيف لعبة سياسية، والشعب السوري لا يفكر بالدستور بقدر اهتماماته التي تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي علينا القيام بها، وبالسياسيات التي تضمن تلبية احتياجاته).
في سياق أنواع الحروب هذه، يُذكر أن المقابلة أتت مواكبةً لذكرى انتصارنا في حرب تشرين التحرير، ولذكرى البدء بتنفيذ بنود الاتفاق السوري الروسي لمواجهة الإرهاب وصولاً إلى تحرير حلب، وفي وقت تبادل الزيارات بين الوفدين الحكوميين السوري والروسي إلى دمشق، وإلى موسكو. ما أجج حملة الإعلام والتضليل لتحطيم الروح المعنوية الوطنية في الداخل جرّاء الذكرى والمناسبة، ففي الوقت نفسه لاحظنا إعلام البترودولار يشن حرب تزييف وتزوير للحقائق، ويستشيط غضباً وهو يستمع إلى الجواب عالي المستوى والمعنى والدلالة على سؤال وكالة سيغودنيا للسيد الرئيس، هل تعتبرون لحظات التعاون الروسي مع سورية جديرة بأن تروونها (لأحفادكم)؟:
(سأتحدث إليهم عن القيم المشتركة والنبيلة التي يتشاطرها جيشانا والتي جعلتنا أشقاء خلال هذه الحرب).
هذا وحده لم يكن باعثاً كافياً على الاستهداف المستمر بالتزييف والتضليل والتشجيع على سفك الدم السوري الطاهر، إذا كان جواب سيادته على سؤال السلام مع العدو الصهيوني أقسى وقعاً وأشد إيلاماً على هؤلاء: (لم نرَ أي مسؤول في – النظام الإسرائيلي – مستعداً للسلام.. ليست هناك مفاوضات على الإطلاق، لا شيء على الإطلاق)، ففي اليوم التالي طالعتنا ميديا البترودولار بعناوين افتراء وتحشيد مناقضة للحقيقة تماماً من مثل: الأسد مستعد للتطبيع – مصادر روسية تؤكد أن حديث الأسد يخالف الرؤية الروسية التي قُدّمت إلى دمشق… إلخ.
حقيقة إنها أنواع من الحروب يكون واجب الصمود أمامها جمعيّاً: أفراداً ومجتمعاً، شعباً ومؤسسات، أحزاباً ومنظمات، صمود يعززه تمتين الجبهة الداخلية، أنموذجه حديث الرئيس الأسد إلى الأهالي أثناء جولته على بعض المناطق التي نكّبت بحرائق الجمعة 9/10/2020 وتأكيد سيادته: (علينا التعامل مع تحدي إعادة الإنتاج ومستلزماته من دعم إنساني وتقني لدعم الثبات في الأرض وإغلاق منافذ انتهاز الفرص في المخالفات بأنواعها… ووضع خطط واقعية وليست نظرية).
إنها حروب.. وليست حرباً واحدة، ولن نجد في الاستسلام أمام واحد منها حلاً مشرّفاً. في وقت يخلق فيه أعداؤنا تناقضات ثانوية مقصودة بهدف إشغالنا عن مواجهة التناقضات الرئيسية. إنه صمود استثنائي وواعد ومنجز في الواقع، وهو ما سنرويه (لأحفادنا) بفخر وكبرياء ونصر.