أفكار جريئة تحتاج للرعاية.. “المشهد الأول” سي – مر – علي
على الرغم من الصعوبات التي يمر بها البلد، واللهاث خلف مصدر يقتات من خلاله الناس، تبقى هناك بارقة أمل يحيا من خلالها المجتمع.. أشخاص تعالوا على كل الظروف وحاولوا من خلال الإمكانات البسيطة أن يخلقوا فرصة للغير ليحققوا من خلالها بعضاً من طموحاتهم وآمالهم.
أخبرني الصديق المشارك في هذا المشروع، وهو عائد من إحدى ورشات العمل المجانية، أن الشابة صاحبة فكرة المشروع تحلم بأن تتوفر لها الإمكانية وأن تقدم هكذا نوع من الورشات وبشكل مستمر للشبان والشابات ممن لم تستطع أحوالهم أن تساعدهم، فوضعت في بالها هدفاً قررت أن تحققه مهما طال عمر ذلك الحلم.
اليوم استطاعت هذه الفتاة الجريئة أن تضع حجرها الأول في مشوارها، فتمكنت سي مر علي أن تقيم مشروعها الفني الذي يحمل اسم “المشهد الأول “first scene”. الفكرة انطلقت أثناء دراستها للماجستير، حيث قرأت مقالاً عن ريادة الأعمال، وكانت معلوماتها جداً ضعيفة وقليلة فشعرت بالرغبة في معرفة المزيد والتطور في هذا المجال، ولاسيما أنه جزء لا يتجزأ من دراستها الأكاديمية، وعنه قالت: “شاركت في ورشة تدريبية خاصة بريادة الأعمال تعرفت من خلالها على هذا العالم الواسع، والذي شعرت أنه يرضيني من عدة جوانب نظراً للتنوع الكبير الذي يحمله، ولم يقتصر دخولي في عالم ريادة الأعمال على المعرفة والاطلاع والمشاركة في المشاريع فقط، بل دخلت في قطاع التدريب من خلال دعم وتشجيع بعض الأشخاص الذين يعملون في هذا المجال، وشاركت مع العديد من المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية”.
مكانة خاصة للفن
الفنون دائماً في المكان الأخير من اهتمام الأشخاص الذين يسعون لإقامة مشاريع خاصة بهم ناهيك عن كونها تطوعية، وعند سؤالي عن هذا الموضوع أجابت: “كنت على اطلاع دائم بكافة المشاريع التي تقدم من قبل الأفراد، وكنت أشعر أن هناك نقصاً كبيراً وواضحاً في توجههم نحو المشاريع الفنية، وكأن هذه المشاريع لا تمت بصلة للاقتصاد أو لعالم الأعمال، وبالتالي قليلة المؤسسات العامة والخاصة التي تعنى بالشؤون الفنية والثقافية، خاصة في مجال إعداد الدورات التدريبية في الاختصاصات التي يقوم عليها المشروع، إضافة إلى أني أرى في الفنون الأدائية والإبداعية مدخلاً حقيقياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأنا نشأت في بيئة ثقافية تأثرت بها إلى حد كبير فخطرت في رأسي فكرة المشروع وبدأت بالتخطيط لها بشكل جدي، وقبل الانطلاق بأي خطوة رسمية عملت استبياناً بسيطاً على السوشال ميديا لأخذ فكرة عن مدى حاجة الناس، خاصة الشباب، لهذا النوع من المشاريع بالإضافة إلى معرفة مدى التجاوب من قبل الفئات المستهدفة.
صعوبات وإصرار
لا يخلو أي مشروع من عقبات وصعوبات كثيرة جداً، كما تقول سي- مر، وكانت البداية في المرحلة الأولى من حيث الحصول على التمويل من قبل الجهات التي تدعم المشاريع الريادية، وفشلت جميع محاولاتي لأسباب غير واضحة بالنسبة لي، لكن في كل مرة كان يرفض فيها المشروع يزداد إصراري وتمسكي بتنفيذ هذه الفكرة أكثر وأكثر، وكانت هناك صعوبات لها علاقة بتشكيل الفريق سواء الإداري أو المدربين، وموضوع الاختيار والانتقاء أمر صعب جداً، إذ يجب أن تتوفر عدة معايير في الأفراد القائمين بالمشروع. وواحدة من الأشياء التي اعتبرتها صعبة وفي الوقت نفسه أعطتني أملاً ودافعاً هي ردة فعل الأشخاص العاملين في المشروع نظراً لأنه مشروع تطوعي، وكانت ردات الفعل تفوق تصوراتي إذ كان هناك ترحيب كبير بالفكرة وقبول أكبر لفكرة العمل التطوعي، وتقديم هذه الورشات بشكل مجاني دون مقابل، وكل من عمل في هذا المشروع عمل وقدم من قلبه، وهذا أمر يسعدني جداً.
الدور الإعلامي
يتحدث جوان ملّا، مدير العلاقات العامة والتنسيق الإعلامي للمشروع، عن دوره في التواصل مع العديد من الأشخاص للمشاركة في الورشات والدورات التدريبية، فيقول: “بحكم عملي في مجال الصحافة الفنية وعلاقتي بالكثير من الأشخاص من كتّاب ومخرجين وممثلين استطعت الوصول إلى الأشخاص المدربين، طبعاً كانت هناك معاناة في عدة نقاط، حيث إن البعض لم يوافق على الفكرة كونها تطوعية، وبالمقابل كان هناك أشخاص متحمسون لهذا النوع من الأفكار لكن ضغط العمل هو السبب في عدم قبولهم للمشاركة مع الوعد بأن يساهموا في هذا العمل عندما تتاح لهم الفرصة، وعلى الرغم من كل الذي واجهناه إلا أنني استطعت الحصول على موافقة العديد من الأشخاص للمشاركة، وطبعاً الانتقاء كان يتم بناء على خبرة هذا الشخص وأكاديميته في هذا المجال.
الانطلاقة
في بداية عام 2019 بدأت سي مر علي بكتابة خطة المشروع وبدأت بتشكيل الفريق، وفي آذار عام 2020 تم احتضان المشروع من قبل حاضنة أعمال مركز الأعمال المؤسساتي SEBC، حيث منح المشروع الترخيص والغطاء القانوني، وشاءت الظروف أن ينطلق المشروع في وقت عصيب جداً من الناحيتين الاقتصادية والصحية، حيث كانت ذروة انتشار فيروس كورونا في تلك الفترة، ما أدى إلى انسحاب العديد من الأشخاص من المشروع، إضافة إلى انسحاب أكثر من جهة راعية بسبب الوضع الاقتصادي، وهذا الأمر كان مربكاً للغاية بالنسبة لي، لكن سرعان ما تم التغلب على تلك العقبة وبدأت بالتشبيك مع جهات جديدة لاقت قبولاً للمشروع، وستكون راعية له من حيث تقديم المكان الذي سيتم فيه تنفيذ الدورات، وهذه الجهات هي “مؤسسة الحضارة الدولية، غاليري زوايا، مركز تمكين الشباب، مركز golden age”.
يقدم مشروع “المشهد الأول” ورشات عمل ودورات تدريبية في اختصاصات فنية وإبداعية عديدة، ويقسم المشروع إلى مواسم في كل موسم سنقدم شيئاً جديداً، ونحن الآن في المرحلة النهائية من الموسم الأول، فكانت الانطلاقة مع ورشة السينوغرافيا مع المدرب حسين تكريتي- ورشة النقد المسرحي مع الناقد موسى أسود – ورشة التمثيل مع المدرب مغيث صقر – ورشة الإخراج المسرحي مع المخرج يوسف المقبل- ورشة السيناريو والحوار مع الكاتبة بثينة عوض- ورشة المونتاج مع المهندس محمد الحموي- ورشة التصوير الفوتوغرافي مع المدرب ريمون سلوم.
وأضافت سي مر: هذه الورشات موجهة لجميع شرائح المجتمع وليس هناك أية شروط لها علاقة بالتعليم الأكاديمي، فمنهم من هو من أهل الاختصاص ويرغب في تطوير نفسه، ومنهم من هو هاوٍ لهذا المجال ومنهم من لا يعرف عنه أي شيء لكن لديه رغبة التعلم والمعرفة، وبالتالي مرحب بالجميع، كما ستكون الشهادات موزعة باسم المشروع ومعترف بها حالياً داخل سورية فقط، وتعد الشهادة وثيقة رسمية يدعم بها الشخص سيرته الذاتية عند التقدم لأي عمل أو وظيفة بشكل عام.
كثيرة هي المشاريع والأحلام التي تراود جيل الشباب، وكثيرة المواهب التي يتمتع بها مجتمعنا، وكثيرة الصعوبات والآلام التي تقف عائقاً في تحقيقها، وكم هي بحاجة إلى جهات وصائية تمنحها الدعم والرعاية، إلا أن هناك أيضاً الكثير من الطموح والصمود والعزيمة ليحقق هذا الجيل شيئاً من أحلامه.
عُلا أحمد