على وقع اللهب..!
أحيت زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى عددٍ من مواقع الحرائق التي نشبت في منطقة الساحل الكثير من الأمل في النفوس المكسورة، وبلسمت الحروق والجروح التي أحدثتها، ولا شك أنها ستعطي دفعاً قوياً للتعويض على أهلنا المتضرّرين، وتسرّع التحقيقات لمعرفة أسباب ما جرى، وتحديد المسؤوليات والتعجيل بعمليات البدء باستصلاح الأراضي وتشجيرها وإعادة بناء البيوت المحترقة وترميمها.
وتأتي زيارة السيد الرئيس المهمّة بعد أيام عصيبة عاشها السوريون وأبناء محافظات طرطوس واللاذقية وحمص، على وجه الخصوص، وهم يشاهدون بأم العين كيف تلتهم النيران الأخضر واليابس في غاباتهم الصنوبرية الثمرية والحراجية وكروم زيتونهم وتفاحهم وكرزهم ولوزهم وعنبهم وبيوتهم الزراعية البلاستيكية.. وغيرها، حتى بيوتهم السكنية الآمنة لفحها اللظى وحوّلها بموجوداتها إلى رماد، وشرّد ساكنيها وحرق معها جنى العمر وذكريات وماض لن يعود أبداً!
وهذه هي المرة الثالثة التي تتعرّض فيها كنوزنا الخضراء لسياسة الأرض المحروقة في سياق الإرهاب المنظّم الذي يُمارس على السوريين منذ عشر سنوات، حيث بدأت قبل أشهر قليلة مع مواسم حقول الذهب الأصفر في جزيرتنا السورية، لتنتقل بعدها إلى غاباتنا الحراجية في شهري التحاريق (آب وأيلول) الماضيين، وصولاً إلى مواسم الزيتون والتفاح والتبوغ والجوز والتين وغيرها نهاية ومطلع الأسبوع الجاري، في محاولة للمزيد من التضييق على الناس والمزارعين، وبثّ روح اليأس في نفوسهم وإرباك الدولة وإضعافها وتحويلها إلى إطفائي لحرائق النار والإرهاب والفساد، وتشتيتها عن مهامها الوطنية والاستراتيجية الكبرى.
إن ما جرى من تدمير وحرق لآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة والحراجية والغابوية العذراء لم يكن نتيجة ظروف الطقس القاهر والحرارة المرتفعة والرياح الشديدة وانخفاض معدلات الرطوبة الجوية فحسب، بل كان في كثيرٍ من المواقع بفعل فاعل، بقصد أو بغير قصد، أو بفعل الإهمال الناجم عن طريقة التخلّص من أعشاب الحقول اليابسة، أو بفعل عمليات التفحيم المخالفة بعيداً عن أية إجراءات وقائية، أو بفعل ثقافة اللامبالاة والعدائية وقلّة الحرص في طريقة التعاطي مع مساحاتنا الخضراء وغاباتنا وأشجارنا أثناء تمضية أوقات الراحة والاستجمام في ربوعها أو المرور في طرقاتها.. إلخ، وهذا ما ينتظر أن تكشف عنه التحقيقات الجارية.
كما بيّنت الكارثة الوطنية الكبرى التي حلّت بثروتنا الحراجية حجم قصور طرقاتنا الزراعية والحراجية وخطوط النار، لتسهيل وصول سيارات الإطفاء وشاحنات نقل المحاصيل الزراعية، وحاجتنا الماسّة لطائرات إطفاء وغرف عمليات تراقب غاباتنا وتدرس تحولاتها وتبدلاتها على مدار الساعة، ودعم الضابطة الحراجية وإطالة أذرعها وتسليحها بالقانون ولوجستيات العمل المتطوّرة، البشرية والتقنية، وتكريس وعي مجتمعي يحب الغابة والطبيعة من خلال خطاب إعلامي إعلاني عصري متطوّر، وتحديث مناهج مدارسنا للتأكيد على أهمية الغابة وكيف نحافظ عليها، والتشدّد في النصوص العقابية في قوانين الحراج، وإعادة النظر بمنح تراخيص التفحيم أو إلغائها واستبدالها ببدائل صناعية أسوة بما يجري في دول كثيرة تحترم غاباتها وتقدّسها.. إلخ.
الآن وبعد أن هدأت النيران وخمدت، لابد من وقفة مع الذات تحلّل ما حصل، لماذا وكيف؟ وتحدّد نقاط وثغرات الخلل والضعف وحصر الأضرار والخسائر، وإقرار تعويضات عاجلة وفورية للمتضررين ريثما تنتهي لجان جرد الأضرار ليتمّ البناء عليها وإقرار آلية التعويض الأنسب وحجمه. ولابد من البدء دون تأخير بإعادة تشجير ما احترق واستصلاح الأراضي المتفحمة ضمن خطة وطنية محكمة شاملة لغسل مشاهد النار والخراب والتفحم لإعادة البساط الأخضر كما كان وأحسن، وجدولة هذه الأعمال بمدد زمنية قصيرة الأمد لتتغيّر الصورة وتتجدّد سريعاً مع أول مواسم الأيام القادمات، وفي ذلك ترجمة مباشرة لفحوى زيارة السيد الرئيس.
وائل علي