هل نستعيدها؟
قسيم دحدل
في العنوان يقول الخبر: “الزراعة: جهاز فني حراجي لاستقبال المتطوعين للتشجير”.
وفي المحتوى جاء الآتي: “تلبيةً لرغبة عددٍ كبيرٍ من المواطنين والمؤسّسات والمنظمات والهيئات والجمعيات الأهلية، الراغبة بالتطوّع لخدمة الوطن والمشاركة بحملات التشجير الحراجي، تمّ تكليف الأجهزة الفنية في دوائر الحراج بمديريات الزراعة، وفي الوزارة، لاستقبال المتطوعين، وسيتمّ تسجيل الاسم ونوع المشاركة المطلوبة وهاتف صاحب العلاقة، ليتمّ إبلاغهم لاحقاً بمكان وموعد التنفيذ وشكله بالتوافق مع رغبة كل جهة”.
لن نتوقف عند ما يمكن أن نطلقه من نعوت على ما يعنيه ذلك، خاصة وأنه جاء من خارج الدائرة الحكومية وجهاتها، أي من الإنسان في تلك المناطق المكلومة، وهذا بحدّ ذاته أمر في غاية الأهمية والتقدير.
العمل التطوعي، الذي غاب حيث كان يجب أن يكون موجوداً على طاولة الحكومة، ولاسيما خلال ما مررنا به سابقاً؛ غياب من الممكن تبريره موضوعياً، في سنوات الحرب، لكن وبعد اتساع دائرة الاستقرار النسبي وعودة الأمن والأمان، لمحافظات ومناطق كاملة، نشدّد على أهمية وضرورة عودته مجتمعياً وأهلياً، إلى الواجهة، عبر تمكينه من مقومات ومتطلبات نجاحه وتطوّره وتوسّعه، ليكون ثقافة عمل شعبية مستدامة، وعدم الركون والاكتفاء بأن يكون حالة تطوعية تتلاشى بانقضاء السبب، بل الاجتهاد والسعي للارتقاء به ليصبح حالة إنتاجية ذات ريعية مالية مجدية اقتصادياً، تساهم مخرجاتها في دعم قاطني تلك المناطق، وتحسين مستواهم المعيشي، ومساعدتهم في إحداث مشاريعهم الصغيرة الخاصة والمتوسّطة المولّدة لمطارح وفرص عمل، في إطار سلسلة صناعات زراعية.
العمل التطوعي، يعيدنا إلى موضوع غاية في الأهمية أيضاً، كان موجوداً في عقود سابقة من القرن الماضي، وهو المعسكرات الإنتاجية المدرسيّة للمرحلتين الإعدادية والثانوية.
آلاف من تلاميذنا وطلبتنا، كلنا يذكر ما كانوا يقومون به من أعمال نظافة للشوارع، وطلاء لأحجار الأرصفة والمنصفات الطرقية وغيرها من أعمال، في العطل الصيفية، ولمدة 15 يوماً.
طاقات شبابية تشكّل قوة عمل وإنتاج، لو أُعيدت وأُحسنت إدارتها واستثمارها صيفاً، وبشكل مدروس ومنظم وموجّه، لاستطعنا تحقيق فوائد جمّة، تتعدى النشاط الترفيهي والتثقيفي، إلى الإنتاجي المجدي، لهم ولبيئتنا وأرضنا واقتصادنا الوطني.
طاقات تحتاج لتفريغ، ليتمّ توظيفها، بما يساهم في تعزيز العملية التنموية، فمثلاً: لماذا لا نشركها في تخليص أحراجنا من هشيمها القابل للاشتعال، فنكسب مخلفات زراعية، يمكن أن تكون علفاً لثروتنا الحيوانية، أو مواد أولية لصناعات تحويلية، كـ(الكرتون والورق والخشب المضغوط..)؟.
وهنا يطالعنا معمل الخشب في اللاذقية الذي أُغلق منذ سنوات طويلة، ما أضاع علينا الكثير من الفوائد والعائدات، بسبب سوء إدارتنا لمنشآتنا، وقلّة حيلتنا في استثمارها الاستثمار الأمثل رغم توفر مواد يمكن تصنيعها، بدلاً من أن تظلّ في الطبيعة عرضة للحرق وسبباً لوقوع الكوارث!.
هشيم ونباتات، لو كان هناك دراسات وبحوث وإحصائيات لكمياتها وسبل استخدامها الاستخدام المفيد، لفاجأنا كمّها السنوي.
معسكرات إنتاجية، يمكنها أن توفر لأبناء المنطقة دخلاً مالياً يعين عائلاتهم على متطلبات تعليمهم وتأمين مستلزمات تدريسهم، وفي الآن نفسه تكون مجالاً لإكسابهم معلومات بيئية علمية ومهارات مهنية زراعية وصناعية وحرف تقليدية.. وغير ذلك، مما يمكن أن يكون مجالاً للإبداع والاختراع، حيث المناخ التعاوني الجمعي العلمي البيئي والزراعي متاح بشقيه النظري والعملي، يشكّل حافراً حيوياً لظهور الأفكار الجديدة، التي قد يكون للجيل الجديد الريادة فيها.
أرشيف..، لو كان هناك من ينفض عنه غبار السنين، لطالعتنا الكثير من القيم، فهل نعيد ما كان من مفيد مثبت، طويناه، فخسرناه وهدرنا ثمين جدواه، اجتماعياً وعلمياً واقتصادياً، حين فاتنا أن نورث لأبنائنا أن الأرض هي وسيلة إنتاج لا ريعية عقارية؟!.
qassim1965@gmail.com