د. محمد ياسين صبيح: وسائل التواصل أتاحت الفرصة لكتابة القصة القصيرة جداً
“قال القفل للمفتاح وللباب: أنا من يحرسكم.. ردّ المفتاح.. لا جدوى منكم دوني، صرخ الباب أنا من يحميكم.. ثم دوى الانفجار.. سقط الحائط وصمت الجميع” إحدى قصص د. محمد ياسين صبيح رئيس رابطة القصة القصيرة جداً في سورية المعنونة بـ”الباب”، ود. صبيح باحث بعلم التكثيف وتقنياته وبرمزية الإيحاءات بعد أن تحدّدت ملامح القصة القصيرة جداً كجنس أدبي منفصل.
* ما هي القضايا التي طُرحت في الملتقى العاشر للقصة القصيرة جداً؟ وهل كان بحجم طموحكم؟
** تؤدي الملتقيات الأدبية التي تهتم بالقصة القصيرة جداً دوراً هاماً يتمثل بترسيخ التفاعل الكبير بين الكتّاب والنقاد والقراء من خلال الحوارات المرافقة لها، إذ تعمل على خلق حالة تآلفية وحوارية مميزة بينهم ستوصل بالتأكيد إلى زيادة الفائدة المعرفية، وزيادة التفاعلية الحوارية بين الكتّاب المشاركين، ما يساهم في خلق حالة تطورية وإبداعية محفزة لمزيد من الإبداع، كما تعمل على التعرف إلى كتّاب جدد يمتلكون مقدرة سردية جديدة، والملتقى العاشر مثّل استمرارية للحراك الثقافي والأدبي في سورية في ظل الأوضاع الصعبة التي نمرّ بها، وشكّل حافزاً هاماً لاستمراره عربياً، حيث يمثل أكبر تجمع سنوي للمهتمين بالقصة القصيرة جداً، وقد حفل بآراء نقدية ونقاشات وحوارات جريئة، شارك فيها أعضاء اتحاد الكتّاب العرب والقراء تطرقت إلى مكامن الإبداع في القصص المقروءة، وركزت على الكثير من القضايا النقدية مثل التكثيف والأسلوب السردي والقفلة وأهميتها، وفي المنحى ذاته عمل على تقييم التجارب السردية وعلى تحفيز الكتّاب لمزيد من الإبداعات، وأرى أن الملتقى حقق قفزة نوعية هامة تتمثل بإظهار مكانة القصة القصيرة جداً، وتطور مسارها الإبداعي وتحقيق زيادة انتشارها بين الكتّاب والقراء على السواء.
* ما يزال الشكل الأدبي للقصة القصيرة جداً حتى الآن غير واضح وفيه إشكالية، فكثير من الكتّاب يكتبون خاطرة صغيرة أو قطعة شعرية أو ومضة يعتقدون أنها “ق. ق. ج” فما رأيك؟
**إذا أردنا أن نخلط بين القصة القصيرة جداً والشعر النثري لمحاولة التقريب بينهما أجناساً، فإننا نخلق إشكالية كبيرة هنا، لأننا نقصد الشعر النثري ونبتعد عنه في الوقت ذاته لتقربنا من مسار الـ ق ق ج والعكس صحيح، فالمزج قد يخلط الأوراق ويجعلنا ندور في حلقة مشوّهة المعالم، فلا هي شعر ولا هي قصة قصيرة جداً، ورغم تشارك الشعر النثري مع ق ق ج بالعديد من العناصر، إذ تتعدد الرؤى إلى هذه العلاقة وتتسع العناصر المشتركة، وهذا طبيعي ومفيد من خلال بعض التداخلات التي تعطي كلاً منهما مضموناً إبداعياً أكثر جمالية ودلالة، لكن قصيدة النثر لا تتمتع بوجود الحدث والشخصيات واضحة المعالم، وهي تنطلق بالقصيدة من أسس شعرية تعتمد على الصورة المنفصلة، بينما القصة القصيرة جداً تتميز بصورة متصلة مع الحدث والحكائية.
أما الخاطرة فهي تداعيات سردية لا تتمتع بوجود حدث أو وجود عناصر تناسب القصة، لأن الغالب عليها الإحساس والمشاعر والإغراق بالذاتية، لذلك يمكن أن نكتب خاطرة ونطلق عليها ق ق ج، وهذه معضلة كبيرة لأن البعض يستسهل كتابتها، وبالتالي يقع بمطب الشعر تارة أو الخاطرة تارة أخرى، وبرأيي أن نقرأ جيداً، وأن نكتب بروية ودراية بمكونات القصة ق ق ج السردية.
* ق ق ج إضافة إلى التكثيف تعتمد على التورية والقفلة المدهشة فما رأيك بسماتها كجنس أدبي منفصل؟
** التكثيف عنصر أساسي يشكّل أهم تقنية مكونة لها، فهو يعطيها التسمية أولاً ق ق ج، وثانياً لا يعني الاختصار بمعنى أن نختصر قصة قصيرة بحذف بعض الفقرات مثلاً، فهو إبداع يتمثل بإتقان تقنية السرد بتكثيف دلالي وسردي للجمل والكلمات يعطيها طاقة داخلية مختزنة قادرة على التوهج والتمدد دلالياً وحكائياً يستخدم فيها الكاتب تقنيات مختلفة مثل الإضمار والحذف وغير ذلك، ومن عناصرها التي لا تكتمل دونها القفلة المدهشة التي تشكّل مفاجأة للقارئ تغريه للتأمل ملياً بالنص الشائق والجاذب.
وفي خضم السجال الدائر حول أحقية القصة ق ج في كونها جنساً مستقلاً أم لا، نعتبرها جنساً أدبياً مميزاً، لأنها أولاً وأخيراً قصة بالمعنى الحكائي، ولا يمكن اعتبار القصة القصيرة جداً قصيدة بأي شكل من الأشكال، وإلا فقدت القصيدة شعريتها، لذلك نرى أن ننتهي من هذا السجال ونشتغل على الأساليب النقدية والسردية والتنظيرية.
* كيف تقوّم المشهد الأدبي للقصة ق ج في وجود أعداد كبيرة تتزعم كتابتها؟
** شكّلت ق ق ج منذ بدايات كتابتها مغامرة سردية لأنها كُتبت بشكل مختلف عن القصة القصيرة ولم يتم الانتباه إليها بشكل يناسب مكانتها، لا من النقاد ولا من الكتّاب إلا نادراً، ولكن مع نهاية القرن العشرين بدأ الاهتمام بها يزداد مع زيادة عدد الكتّاب الذين بدؤوا في كتابتها، وهذا شكّل دفعة قوية لها، ولكن أهم تطور لها هو تحقيق الاهتمام الكبير بها من خلال الملتقيات، ومن خلال الدراسات النقدية التنظيرية التي ظهرت لبعض النقاد، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت الكثير من الكتّاب يكتبون ق ق ج، لذلك أرى أن المشهد القصصي الآن جيد ويشكل حالة تطويرية، وبدأ الاهتمام المطلوب بها من الجهات الرسمية والخاصة ومن العديد من النقاد، رغم أن بعضهم لا يوافق على إجناسيتها ويعدها حالة فريدة تشكل جزءاً من القصة القصيرة. ولا يعني وجود عدد كبير من الكتّاب الذين يكتبونها أن ما يكتبونه ينتمي إليها، وهذا طبيعي في ظل الانفلات الكتابي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن هذا يبدو حالة صحية من حيث زيادة الاهتمام وزيادة الانتشار.
* هل ترى أنها تتطابق مع الهايكو؟ وهل هي فرع منه؟
** لا أبداً، فالهايكو لايمكن أن يكون قصة فهو مشهد شعري يشكل صورة طبق الأصل لمنظر أمام الشاعر، قد يكون طبيعياً أو حالة إنسانية أو مشهد ما، بينما القصة القصيرة جداً تتضمّن حدثاً وشخصية وقفلة، لذلك لا يمكن التشبيه بين الجنسين الأدبيين.
* من يعجبك من كتّابها؟
** هناك الكثير من الكتّاب الذين يجيدون كتابتها عربياً وعالمياً ومحلياً، ولن أتطرق إلى أسماء حتى لا أثير حساسية أحد، لكن أستطيع القول: إن الحالة الإبداعية جيدة بدليل تنظيم وإقامة الملتقى العاشر للقصة القصيرة جداً، وتم فيه التطرق إلى أهمية التكثيف والصياغة الإيحائية والحوار بتقنيات الإيحاء والشعرية وأهمية وجود القفلة، وتم فيه إطلاق المسابقة العربية الأولى لأفضل مجموعة ق ق ج، وإلى استمرار الملتقيات والعمل على إمكانية جعلها بمشاركة عربية واسعة حسب الظروف.
ملده شويكاني