الكيان الإسرائيلي.. قنبلة نووية موقوتة
إعداد: إبراهيم أحمد
منذ قيام الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وهو يتبنى برنامجاً لبناء قدراته النووية، حيث يعود تاريخ تشييد مفاعل ديمونة إلى العام 1963. وتعد ” إسرائيل ” الكيان الوحيد الذي يرفض الزيارات التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمثل هذه المواقع في شتى أنحاء العالم، فضلاً عن رفضها، حتى يومنا هذا، التوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية التي وقعّتها كافة الدول العربية، ولكن في عام 1986 قام “موردخاي فعنونو “، أحد الفنيين الذين عملوا في المفاعل، بتسريب بعض المعلومات والصور والتي تم بموجبها تصنيف “إسرائيل ” بالمرتبة السادسة في العالم من حيث امتلاك القدرة النووية وأسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيميائية، كما أشار فعنونو، الذي قضى فترة عقوبة لمدة 18 عاماً في سجن “شيكما”. ومما لاشك فيه أن موردخاي فعنونو كان قد كشف عن خفايا جزء مهم من سياسة الغموض النووي في الكيان الصهيوني .
وتشير التقديرات إلى أن “إسرائيل” تنتج ما يقارب 40 كيلوغراماً من البلوتونيوم سنوياً، إن لم يكن أكثر من ذلك، مما يدل على أن قوة تشغيل المفاعل قد تصل إلى 150 ميغاوات، كما أنها تمتلك شحنات تكفي لتصنيع ما بين 300 – 400 رأس نووي لصواريخ طويلة المدى. ويعتبر مفاعل “ديمونة” من أكبر أسرار الحياة النووية في العالم ، حيث ظلت “إسرائيل” منذ نشأتها على أرض فلسطين السليبة ومن ثم بعد تشييدها لهذا المفاعل ترفض بشكل قاطع عمليات التفتيش الدورية التي تخضع لها مفاعلات الدول الأخرى، بفعل التلويح بالعصا الأمريكية في وجه قرارات الشرعية الدولية. وفيما يتعلق بقدرات “إسرائيل” النووية، فإن الباحثين والمتخصصين بدؤوا في البحث عن اليورانيوم في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة ، ففي عام 1949 تم إنشاء معهد “وايزمان” للأبحاث النووية، وجرت عدة محاولات لإيجاد طرائق جديدة لإنتاج الماء الثقيل واستخلاص اليورانيوم من الفوسفات.. تتوازى محاولات “إسرائيل” امتلاك السلاح النووي مع تطوير وبناء السلاح الكيماوي بكافة أنواعه بما في ذلك السلاح المحّرم دولياً، حيث سبق ذلك بناء مصانع السلاح الكيماوي بمعونة بريطانية.
وقد أدت المخططات “الإسرائيلية”، والنشاط الدؤوب لإنجاح تلك الخطط إلى بناء سبعة مفاعلات نووية ، أهمها مفاعل “ديمونة ” الذي أسسّه ديفيد بن غوريون عام 1957 في صحراء النقب بالاتفاق مع فرنسا، ومفاعل “أسدود ” جنوب فلسطين المحتلة، الذي أُنشئ في عام 1960 بمساعدة أمريكية، وهو قادر على إنتاج مادة البلوتونيوم.
أما المواقع المختلفة للأسلحة النووية فهي:
موقع “بالميكيم” شمال النقب المخصص لإجراء تجارب على الصواريخ النووية مثل صاروخ “أريحا”.
موقع ” يوديفات” لتجميع الأسلحة النووية وتفكيكها، في حين يتم في موقع “بئر يعقوب” بناء قواعد إنتاج صواريخ أريحا ذات الرؤوس النووية.
موقع “كفار زكريا” يعتبر قاعدة للصواريخ النووية ويحوي ملاجئ لتخزين القنابل النووية. وفي “عيليون” شرق منطقة الجليل الفلسطيني مواقع لتخزين الأسلحة النووية التكتيكية.
إضافة لذلك استطاعت “إسرائيل” بناء عشرة مصانع كيماوية يتركز معظمها في مدينتي حيفا وعكا، كما تتركز صناعة الذخائر الكيميائية في منطقة “بيتاح تكفا”، في حين تتركز صناعة الغازات السامة في منطقة “حولون” و” ريشون لسّيون”.
أما مصانع الكلور وغاز الأعصاب فقد تركزت في منطقة “تل أبيب”، فضلاً عن ذلك تتوزع مصانع كيميائية في المدن الفلسطينية المحتلة الأخرى لصناعة غاز الخردل وغاز الباروم وصناعة الذخائر، وهناك برامج وخطط “إسرائيلية” وموازنات ضخمة لتطوير المفاعلات النووية والمصانع الكيميائية.
في 27 شباط من عام 2002، ذكرت صحيفة “يديعوت آحرونونت” أن أيفي أيتام وزير البنية التحتية “الإسرائيلية ” آنذاك، أصدر تعليمات للشروع في بناء مفاعل نووي جديد في صحراء النقب يُخصص للأغراض المدنية. وفي صحراء النقب أكدت العمليات المتكررة لقياس مستويات الإشعاع على وجود حالات تسرب نووي حيث يوجد مفاعل ديمونة، وهذا ما توقف عنده مطوّلاً “فعنونو” الذي أكد قدم المفاعل “الإسرائيلي” والحاجة لإزالته، وتجنب وقوع كارثة نووية في أية لحظة نتيجة قدمه، ويكمن خطر مفاعل ديمونة أيضاً في عدم تزويده من قبل السلطات الإسرائيلية بأبراج تبريد جديدة منذ عام 1971، وتشير بعض التقارير إلى أن المفاعل أصبح قديماً بحيث تآكلت جدرانه العازلة مما قد يؤدي إلى تسرب الإشعاعات من المفاعل والذي قد يحدث أضراراً بيئية وصحية لا حصر لها لسكان المنطقة بشكل عام. كما أن المفاعل يعاني من ضرر خطير ينبع من إشعاع نيتروني.
الجدير بالذكر أن إنتاج البلوتونيوم يشكل إحدى أخطر العمليات في العالم، وبحسب التقديرات العالمية فإن إنتاج كل كيلوغرام واحد من البلوتونيوم يوّلد أيضاً 11 ليتراً من سائل سام ومُشّع لم يتمكن أحد حتى الآن من شل فاعليته، ومع ذلك ورغم مشاكل ديمونة وقيام قسم من الفنيين برفع دعاوى قضائية ضد الحكومة جراء إصابتهم، فلم يتم تحسين الوضع في المفاعل، وكشفت تقارير أن العاملين في المفاعل لم يسلموا من المواد الخطرة، وأن العشرات منهم ماتوا جراء إصابتهم بأمراض. وكشفت تقارير عن قضية أخرى تتعلق بتسرب المياه الثقيلة المشبعة بالإشعاعات والنفايات النووية إلى جرن جغرافي طبيعي متصل بامتداده مع المفاعل. كما نشرت صحيفة “يديعوت أحرونت” في 2001 تقريراً تقول فيه إن المفاعل لم يعد آمناً وطالب بضرورة إغلاقه قبل أن يتسبب في وقوع كارثة.
عملت “إسرائيل” على امتلاك أسلحة دمار شامل منذ احتلالها فلسطين عام 1948، حيث سعى ديفيد بن غوريون – رئيس الوزراء وقتئذ- إلى امتلاك رادع نووي في مواجهة دول المنطقة. كما جّهزت “اسرائيل” قبيل عدوان الخامس من حزيران 1967 قنبلتين نوويتين متطورتين. وفي عام 1968 خلص تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي. أي. إيه) إلى أن” إسرائيل ” قد شرعت فعلاً في إنتاج أسلحة نووية، ومن ذلك التاريخ بدأت التكهنات حول حجم الترسانة النووية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من افتضاح البرنامج النووي الإسرائيلي، إلا أن الكيان الصهيوني لم يزل يرفض الكشف عن قدراته النووية والذرية والبيولوجية والكيماوية، ويرفض السماح لوكالة الطاقة الذرية بتفتيش مفاعلاته، إمعاناً في تحديه للمجتمع الدولي، وإصراراً منه على مواصلة تطوير هذه الأسلحة المدّمرة تحت سمع العالم وبصره، وبدعم غربي.