تليد الخطيب: قدمت أفضل ما لدي ولم أساوم على جودة أي مشهد
انتهى مؤخراً عرض مسلسل “بورتريه”، من تأليف تليد الخطيب وإخراج باسم السلكا، على قناة beiN drama، وذلك بعد خروجه من السباق الرمضاني بسبب تفشي فيروس كورونا وتوقف التصوير، وقد حقق عرضه نجاحاً كبيراً، وهو التجربة التلفزيونية الأولى لكاتبه الخطيب المعروف بشراكته الفنية مع المخرج باسل الخطيب، وقد بيَّن الخطيب في حواره مع “البعث” أن “بورتريه” مسلسل اجتماعي تدور أحداثه في زمنين مختلفين، ويروي قصة حب لا تكتمل.
“بورتريه” الوليد الأول الكامل لك ككاتب.. كيف أنجزتَ نصاً استطاع أن يرى النور بعيداً عن شراكتك مع المخرج باسل الخطيب؟
الشراكة مع باسل الخطيب كانت وما زالت شراكة مثمرة، لكن أعتقد أن التجريب والتجديد هو الدافع لتطور أية تجربة فنية، لذلك كان لا بد لـ “بورتريه” أن يبتعد عن هذه الشراكة، وهو الوليد الأول تلفزيونياً والثاني إجمالاً بعد فيلم “دمشق حلب”، وقد أردت في “بورتريه” أن أتحدث عن الحب وعن قدرته على تغيير مصائرنا، وعلى دفعنا إلى الأمام أحياناً وتدميرنا أحياناً أخرى، وقد أنجزت نص “بورتريه”، كما أنجزت النصوص التي عملت عليها سابقاً، محاولاً تقديم أفضل ما لدي وألا أساوم على جودة أي مشهد في النص مهما صغر أو كبر.
عرض “بورتريه” كان عن سابق إصرار، أم أن الظروف هي التي فرضت ذلك؟
لم أكن مطلعاً على تفاصيل الاتفاقيات المتعلقة بالعرض، وإن كنتُ متأكداً أن شركة إيمار بذلت وما زالت تبذل كلّ جهد ممكن لعرض المسلسل بالشكل الأفضل.
ما خصوصية هذا الشكل من العرض؟
العرض على القنوات المشفرة هو شكل لا يحبه المشتغلون في الحقل الفني، وإن كانوا يدركون ضرورته، فلا يوجد كاتب أو مخرج أو ممثل إلا ويرغب في أن يُرى عمله من قبل أكبر شريحة ممكنة.
وهل عرضُ الأعمال الدرامية عبر المواقع المشفرة والمنصات الرقمية يفرض على الكاتب والمخرج آلية جديدة على عملهما؟ وهل سنرى في المستقبل أشكالاً ومضامين مختلفة في الدراما؟
لنميز أولاً بين القنوات المشفرة القديمة، حيث قدم البث الفضائي ذاته، وبين المنصات الرقمية التي تُعتبر أحدث أشكال عرض المحتوى الدرامي.. سيزداد هذا الشكل انتشاراً بلا شك، وسيؤسس لنفسه موقعاً مهماً ربما كان الأهم ضمن أشكال التلقي الدرامي.. هل سيلغي ذلك حضور الفضائيات؟ من المبكر التنبؤ بذلك.. دعينا لا ننسى أن الكثيرين راهنوا فيما مضى أن التلفزيون سيقضي على السينما، وهذا لم يحصل. أياً يكن الأمر، من الطبيعي كمشتغلين في هذا الحقل أن نتكيف مع الوسائط الجديدة، وأن نستفيد مما تقدمه لنا، وهو كثير، فالمنبر الرقمي يفتح الباب مثلاً أمام فكرة الدراما التفاعلية، والأهم أنه يتيح التحرر من الشرط السخيف المتعلق بعدد الحلقات، إذ لم يعد مقبولاً أن أتقيد بثلاثين حلقة سواءً أكنت أقدم ملحمة الإلياذة، أم قصة ليلى والذئب.. هذا على صعيد الشكل، أما التغير في المضمون فتحكمه عوامل أخرى أكثر تعقيداً تتعلق باختصار بكوننا نعيش مرحلة انتقالية بين عصرين وطريقتَي تفكير، وربما بين منظومتي قيم، وهذا حديث يطول.
باسم السلكا هو كاتب ومخرج كذلك، كيف تجلت العلاقة بينكما؟ وهل أنت راض عما ترجمه من نصك؟
أنا راضٍ تماماً عن النتيجة وعن الحلول الإخراجية المقدمة في العمل، وباعتباره مخرجاً وكاتباً فإن لديه حساسية عاليةً للكلمة وأهميتها، وقد كان حريصاً على التشاور معي في أية تعديلات على النص المكتوب.
أي جديد أضافته روح الشباب في “بورتريه”.. كاتب شاب ومخرج وممثلون؟
لنعتبر أن الشباب المقصود هو شباب الهمة والنية.. أعتقد أن هذه الروح الشابة لدى جميع العاملين في المسلسل هي التي حملته، وحققت له النجاح رغم غياب شرط النجم التقليدي عنه.
كتبتَ فيلم “مريم” ومسلسل “أنا القدس” بالشراكة مع المخرج الخطيب.. حدثنا عن هذه الشراكة؟
“أنا القدس” و”مريم” كانا مدخليّ إلى عالميّ الدراما التلفزيونية والسينمائية، ومن حسن حظي أن يتم ذلك بالشراكة مع مخرج مقتدر مثل باسل الخطيب الذي تعلمت منه الكثير وما زلت، إضافة إلى ذلك جنبتني هذه الشراكة الوقوع في كثير من الأخطاء والمطبات التي تواجه المستجد في عالم الدراما إن لجهة العمل على النص أو لجهة التعامل مع الوسط الفني بكل صعوباته، ومع هذين العملين بالذات أدركت أنني أصبحت جزءاً من هذا العالم الفني الجميل والمخيف، المشرق والقاتم في آن، وهو عالم يستحق على كل تناقضاته أن أقضي عمري مقيماً فيه.
كان فيلم “دمشق حلب” شراكة من نوع مختلف وهو فيلم لا يشبه تجارب المخرج الخطيب ولا تجاربك السابقة، ماذا عن هذه المحطة؟ وما هي أهميتها؟
يختلف “دمشق حلب” شكلاً عن تجاربي السابقة مع باسل الخطيب، وإن كان ينسجم معها مضموناً من حيث محاولة تقديم قيم الخير والجمال عبر شخصيات نبيلة.. كان الفيلم تجربة استثنائية تكمن أهميتها قبل كل شيء في فرصة العمل مع الفنان دريد لحام، وفي أنها أتاحت لي اكتشاف مساحات كتابية غير مألوفة بالنسبة لي، وأظن هنا أنه من الضروري لكل مشتغل في الحقل الإبداعي أن يدفع بنفسه إلى خارج المساحة المريحة بالنسبة له.
وأية صعوبات واجهتَها ككاتب كتب نصاً على قياس بطل الفيلم دريد لحام؟
في الحقيقة لم تتأتَ الصعوبة من كون النص كُتب خصيصاً للفنان دريد لحام، وقد كان ذلك عنصراً مريحاً ومساعداً، وقد أحب الفنان لحام الفكرة منذ البداية، وقدم العديد من الاقتراحات والملاحظات التي ساهمت بشكل كبير في نجاح العمل.. الصعوبة الحقيقية كانت أنك عندما تكتب للفنان دريد لحام فأنت تنضم إلى لائحة كتّاب فيها أسماء مثل محمد الماغوط ونهاد قلعي، وغيرهما من أساطين الكتابة في عالمنا العربي، وقد أرعبتني هذه المسألة حقاً وجعلتني أدرك حجم المسؤولية الكبرى عن كل حرف في كل كلمة من “دمشق حلب”.
وكيف استطعت ككاتب أن تنجو من سطوة مخرج متميز كباسل الخطيب وفنان كبير كدريد لحام؟
لم يكن أيٌ منهما معنياً بممارسة أية سطوة على الكاتب، فباعتبارهما فنانين كبيرين محترفين كانا متحررين تماماً من أية عقد تسلطية ويدركان مساحة الكاتب ويحترمانها.
قلتَ في حوار سابق لك: “أنظر إلى كل ما أكتبه باعتباره جزءاً من مشروع واحد ما زال في بداياته”.. ما ملامح هذا المشروع؟
من الصعب حقاً أن أجيب على هذا السؤال دون أن أتهم ببعض النرجسية والغرور.. من جهة أخرى أعتقد أن التواضع الزائف لا يقل سوءاً عن الغرور، بل لعله أسوأ، لذلك فإنني أدّعي أن مشروعي هو التالي: أريد أن يشكل كل عملٍ أقدمه إضافةً نوعيةً إلى المشهد الفني السوري والعربي، وأن يكون في ما أقدمه توسيع لأفق الفن وأن أطرق أبواباً جديدة وأفتحها وأن أسلك طرقاً غير معهودة وأعبّدها للآتين.. من هنا سأحاول ما أمكنني ألا يكون ما أقدمه مجرد مسلسل أو فيلم آخر، وربما أوفق في ذلك وربما أفشل.. على الأقل سأحاول.
ما جديدك؟
أعمل حالياً على نص كوميدي أحسب أنه جديد تماماً شكلاً ومضموناً.
يُذكَر أن “بورتريه” من إنتاج إيمار الشام، وهو من بطولة فادي صبيح، مديحة كنيفاتي، أكثم حمادة، ترف التقي، هافال حمدي، سيف الدين سبيعي، جلال شموط، جفرا يونس، نوار يوسف، يزن خليل، وغيرهم.. إضافة إلى الفنّانين القديرين سليم صبري ونجاح سفكوني.
أمينة عباس