اختتام مهرجان قوس قزح: الحفاظ على تراث سورية المنوّع
“نقدّم التراث كما هو دون تشويه مع إضافات تشكيلية طفيفة”، هذا ما قاله الإعلامي إدريس مراد مؤسّس مهرجان قوس قزح الذي حمل شعار “سورية تجمعنا”، واختُتم بحفل كبير على مسرح الأوبرا بحضور د. لبانة مشوح وزيرة الثقافة، وضمّ جميع الفرق الراقصة في سورية، والتي حملت عبق الحضارات القديمة. وقد ارتبطت الحركات الراقصة مع الطبيعة والحياة والتراث بألوانه من خلال الصور البصرية المرافقة بالخلفية السينمائية لجغرافية كل منطقة في سورية، وشاركت فرقة المهرة للفنون الشعبية لأول مرة، وكذلك الفرقة الأرمنية كارني القادمة من حلب، في حين استمرت فرقة آشتي الكردية وفرقة بارمايا السريانية والآشورية والفرقة الشركسية بالمشاركة منذ سنوات، وكان الحب هو القاسم المشترك بين الأغنيات والرقصات مع الحفاظ على خصوصية كل فرقة من حيث الحركات والمسار الراقص والمعاني.
بانوراما سورية
قدّمت فرقة المهرة –تصميم ماهر حمامي- بانوراما للفلكلور السوري من مختلف مناطق سورية، ربطت بدقة بين الصور المتتالية لملامح التراث المادي واللامادي ابتداء من دمشق، فأضفت صور دمشق القديمة وخان أسعد باشا والبيت الدمشقي والقيشاني جمالية على الرقصة البطيئة الموحية بالسهرات النسائية وحركات الرقص الشرقي، لينتقل راقصو المهرة بالأزياء الشعبية باللون البنفسجي الموحي بالشغف والقوة والتأثير بالتمايل الطربي إلى التراث الحلبي “ياطلعة الفجرية”، وتتالت الانتقالات إلى المنطقة الجنوبية والسويداء والساحل والجزيرة على وقع الميكس للأغنيات التراثية السورية، وتغيّر الحركات ضمن مسار الرقص الفلكلوري الشعبي والحركات الاستعراضية والقفز بالهواء ودور الصوليست الأساسي: “يومٍ على يوم، زينوا المرجة، لولا لي، قالولي كن، يامسعدك، يا أم التوت، يا شعور مجدلة”.
جبال أرمينيا
فرقة كارني الأرمنية بإشراف نانور كورموليان القادمة من حلب عكست صورة عن الموسيقا الأرمنية الشعبية والأغنيات الفلكلورية والرقصات التي ارتبط بعضها بأحداث الإبادة والتشبّث بأرمينيا، وأخرى بقدرة الأرمن على تجاوز المحن، فقدمت الراقصات فقط الرقصة الأولى الدالة على الحنين والشوق إلى الوطن بعنوان “كيليكيا”: “عندما أريد رؤية كيليكيا، لأعود إلى دنياي، وينتهي الحزن والحنين، وأنام براحة في كيليكيا”، وتميّزت بالتمايل والرقة وبالحركات البطيئة للأيدي المعبّرة عن أحزان الأرمن وتصميمهم على النهوض من جديد، ومثّل الرقص بالمكان وتشكيل رتل والانحناء نحو الأرض إيماءة إلى الانتماء، ورسمن بالحركة شكل الجبل دلالة على جبال أرمينيا. أما الرقصة الثانية “يابارخشتيا” فجسّدت قوة الأرمن وتعلقهم بالرقص والفنون رغم شدة الحرب: “هناك صراع في الجبال، هناك أحجار وغناء ورقص، وينتصر الرقص، نصعد الجبل صباحاً، ونصنع لعبة، دع العالم يتعلّم الرقص يابارخشتيا”، تشارك بها الراقصون بالإيقاع السريع للموسيقا الحيوية الراقصة، فشكلوا رتلين وتميّز الذكور بسرعة الحركات المتتالية للساقين والرقص بالمكان، تمهيداً لتشكيل الدائرة بالرقص، وابتعدت أزياء الراقصين عن اللون الأحمر فكانت بالأبيض والأسود موشاة بالذهبي بإيحاءات أرمنية تقليدية.
الطبيعة والرقص
استحوذت فرقة آشتي للتراث الكردي بإشراف غنى أحمو على إعجاب جمهور الأوبرا بتداخل الدبكة مع الحركات الراقصة بإيقاع سريع على وقع الأغنيات الشعبية الكردية الموحية بالحب واللقاءات الفرحة، والتي تلتصق بالطبيعة من جانب آخر فتمثّل موسم الحصاد والمطر، وتميزت الرقصة الأولى “سوراني” من التراث الكردي القديم التي مزجت بالحركات بين الحب والحرب والحصاد: “بك أبدأ يومي بسعادة، وأنت تخشخشين بين الأحراش كالغزالة” بالحركات السريعة والدبكة بتشابك الأيدي بين الراقصين والتلويح بالمنديل الملون، وتغزّل المحبوب بالحبيبة بالرقصة الثانية نارين الشبيهة بمشهد درامي: “نارين يانارين ياجميلة أفديك بروحي”.
المبارزة والمرأة
وتابعت فرقة الجمعية الخيرية الشركسية فرع قدسيا بإشراف نسيم خواز بلوحة مطوّلة من التراث الشركسي المرتبطة بقصة المحارب والمبارزة ومشاركة المرأة الرجل بالحرب والحياة بعنوان “شيشان”، وبدت ضمن خصوصية الموسيقا والرقص الشركسي بالخطوات السريعة والرقص على رؤوس الأصابع واستعراض قدرة الراقصين بأزياء المحارب والمبارزة بالسيف والترس بين الثنائيات، وشكّلت القلنسوة البيضاء علامة مميزة، تنتهي بخلع القلنسوة وكشف حقيقة المحارب ومفاجأة ظهور الراقصات بشعورهن الطويلة، ثم ظهور الراقصة الصوليست بثوبها الذهبي وتاجها “القلبق” بحركاتها الدقيقة والسريعة الموحية بالفرح وأنوثة المرأة.
التغزل بالحبيبة
وبدت فرقة بارمايا بإشراف رامثا شمعون للتراث السرياني والآشوري بروح متجدّدة بموسيقاها الحالمة المتناغمة مع تاريخ الحضارات القديمة والعزف على الناي، فعكست أثواب الراقصات باللون الخمري جمالية بالإيحاء اللوني الحركي لتمازج الدبكات السريانية، منها الشيخاني والبيريو والحانو مع الحركات التعبيرية والرقص الثنائي على وقع أغنيات باللهجة السريانية والآشورية من مناطق مختلفة من القامشلي تحاكي الحب والطبيعة الجميلة للمناطق التي يقطنها السريانيون، فقدموا لوحة الصعود “تفتن” باللهجة الآشورية بحركات خاصة تعتمد على الدبكة، والرقصة الثانية “ليتانن”: “سردت بالحركات التعبيرية حكاية حب.. بأماكننا القديمة جلست، لو تدري ماذا رأيت، باسمي واسمك التقيت، سأصعد القمم وهناك أتخيل حبنا”.
ملده شويكاني