التنمية الاقتصادية وإرادة التغيير
في ظل تغير قواعد دنيا المال والأعمال فقد أصبح من المطلوب بإلحاح تغيير وتطوير أنماط أنظمة العمل والإنتاج والتنمية المختلفة حتى تستطيع المنافسة والبقاء في أروقة هذا العالم الواسع.
ويبرز مفهوم عبارة التنمية الاقتصادية كأحد أهم مناحي التميز التي يجب السعي لتحقيقها، حيث أصبحت لها نماذج في الخدمات والمنتجات ومنهجيات بارزة ومحددة وأيضاً معايير واضحة لقياسها، وانطلاقاً من هذا يُجمع خبراء علم الاقتصاد والإدارة على ضرورة تداول الفكر الموضوع في شرح تفصيل هذه القضية، والتي تُعد بمثابة القلب من جسد التحديات الاقتصادية التي تواجه الواقع الحالي بهدف رسم خريطة واضحة لآفاق مستقبلية بغية الوصول إلى الهدف المنشود.
ترتبط عملية التنمية الاقتصادية بشكل أساسي بالحرية الاقتصادية، والتي كانت هي الدعوة المحورية لكل رجال الفكر الاقتصادي، وقد تباينت الآراء واختلفت وجهات النظر حول ماهية الحرية الاقتصادية من جهة وحول مقتضيات عملية التنمية من جهة أخرى، وتتفق عموم الآراء حول عناصر التنمية والتي تتلخص في:
– إحداث التغييرات الملائمة لإنجاح عملية التصنيع ودفعها للأمام.
– خلق قاعدة صناعية متينة ومناسبة للمجتمع.
– اختيار أسلوب التنمية المناسب وفقاً لخصوصية وميزات كل مجتمع.
يتطلب نجاح عملية التنمية اقتصادياً ضرورة التنمية على مستوى الوعي، وذلك بخلق إرادة التغيير لدى الناس، إضافة إلى بلورة أساس الوعي الإنمائي، وعلى أية حال فإن عملية التنمية تتطلب الجدية في مجالات السلوك والأفكار والقيم، وهذا يُؤمن للإنسان القدرة على إحكام سيطرته على موارد الطبيعة، ومن المعلوم أن المشارب الثقافية التي تعمل على تكوين طرائق جديدة في أنماط التفكير تنسف كل سابقاتها المبنية لتنطلق نحو منهجية أسمى وأكثر قدرة على البحث العلمي، وبهذا يتغير موقف الإنسان من مناحي الطبيعة من موقف ضبابي متأمل بخوف إلى صورة موقف الملاحظة والتجربة لاكتشاف وسبر أغوار مكوناتها لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة مع مراعاة تبدل سلوك الأفراد ونظرتهم تجاه العمل والنشاط الاقتصادي كقيمة اجتماعية.
تؤدي زيادة الاستثمار في الصناعة إلى رفع مستوى الدخل الصناعي، وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع الأهمية النسبية للقطاع الصناعي على حساب أهمية عموم القطاعات الأخرى، كما تُعد الزيادة في الاهتمام للقطاع الصناعي بمثابة المفتاح السحري في ازدياد قدرته على رفع مستوى الدخل القومي، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن أهمية التمييز بين تحديد الإطار العام الذي تتم ضمنه عملية التنمية وبين الاستراتيجية الاقتصادية التي يتم اختيارها لتحقيق الإنماء المنشود، فتحديد الإطار العام يأتي أولاً ومن ثم تأتي عناصر استراتيجية التنمية، كما لا يخفى بأن سمات عملية التنمية لها تأثيرات جوهرية على طبيعة ونوع أي استراتيجية يتم اعتمادها، وأبرزها توجيه الموارد توجيهاً واعياً وصحيحاً.
يتطلب نجاح عملية التصنيع توفر الإطار الملائم والجو المناسب من كافة المناحي الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية، ولا ينحصر أثر عملية التصنيع في القطاع الزراعي والاستهلاكي فحسب، ولكن يُؤثر في البنيان الشامل فهو الوسيلة الناجعة في القضاء على كافة الاختلالات السائدة في عموم المجتمعات، ولا بد من ذكر أهمية رأس المال الذي يُشكل إلى جانب التنمية الزراعية كمثال عاملاً هاماً لإنجاح الخطط التنموية فلا تنمية صناعية حقيقية دون قاعدة عريضة من رؤوس الأموال الاجتماعية والخدمية والمتمثلة في الطرق ومحطات التوليد وغيرها، ويُلاحظ أن اختيار أسلوب التنمية يقتضي الخضوع للدراسة المعمقة لعموم البنى الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، والتي معها تتحدد الاستراتيجية المناسبة بوصفها أنها فن استخدام شتى الموارد لتحقيق الأهداف الإنمائية، ويتضح للمرء المتابع أن اختيار الأسلوب الناجع للتنمية تُحدده عوامل عديدة فهناك الظروف الخارجية التي يمر بها اقتصاد البلد، وكيفية تأثره بها سلباً أو إيجاباً، وهناك أيضاً حجم الموارد الطبيعية المتوافرة ونوعية الموارد البشرية ومدى مستوى مهاراتها، والأهم من هذا كله الوضع السياسي وظروف الحصار التي يعاني منها البلد فمع حالة الحرب يستحيل سير عجلة الإنماء الاقتصادي لأن الاستقرار كما هو معلوم للجميع الشرط الأول والأبرز والأساسي لأي انتعاش اقتصادي وتنمية مجدية ونمو راسخ ومتصاعد.
د. بشار عيسى