الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

قلْباً لقلب

عبد الكريم النّاعم

-منذ الآن، وما بعده،.. ستُبرَّد الأرض التي التهمها الحريق، وحيث يُوجَد الماء يوجد البرْد، وربّما رافقه السلام، فتكون برْداً وسلاماً، فمَنْ سوفَ يبرّد ما في قلبي، وقلوب أمثالي، إنّها بحاجة لرذاذٍ ربّانيّ يزرع فيها كلّ ألطافه كي تستطيع المُتابعة.

-كارثة الحرائق التي اشتعلتْ في جبال هذه البلاد، في أكثر من تسعين موقعاً، في أوقات مُتقاربة خلّفتْ ما هو بحجم وطن/، لا بحجم المناطق التي استُهدِفتْ، وقد يبدو أنّ معرفة مَن استهدَف ربّما يساهم في معرفة أبعاد ما نتعرّض له، ولكنّه لا يُلغيه، وحين تكون الكارثة بحجم وطن فإنّها تستدعي، وجدانيّاً أن يُبادر الجميع لتقديم ما يخفّف من وقعها، لأنّ ما أصاب تلك المناطق لا يعني خسارتها وحدها بل هي خسارة البلاد كلّها، فتلك الخيرات التي كانت منتَظرة، حين تلفّها النّار فإن الجميع سيفتقدون زيتها وزيتونها، وأطايب ما كانت تجود به، وهذا يفترِض بداهة أن يهبّ جميع الشرفاء من أبناء هذا الوطن، للمساعدة كلّ بقدر ما يستطيع، فلا يُكلِّفُ اللهُ نفساً إلاّ وُسْعَها.

-ثمّة أصوات نبيلة خرجتْ من نبلاء من أهالي حلب، رقنوها على صفحات التواصل الاجتماعي، تدعو الذين فقدوا بيوتهم أن يتّجهوا إلى حلب فاتحين لهم صدورهم وبيوتهم، وربّما أعاد هذا إلى الذّاكرة كيف استقبل سكان مُدن الساحل والجبال بعض أهالينا الذين شرّدهم الدواعش، إنكشاريّة اردوغان الطامح إلى العثمنة، فكانوا بين أهاليهم، وأحبّائهم، وبمثل هذا يقتدي المُقتدون.

-سمعتُ، أو قرأت مَن يطرح فكرة التبرّعات، وهي فكرة رائعة اجتماعيّاً، وتدلّ على تضافر القلوب والأيادي، وأخشى ما أخشاه أن تكون الاستجابة من قِبَل الذين يقتطعون اللّقمة من أفواههم، وذلك جهد المُقلّ، وأن يدير حيتان المال، والسماسرة، والمرتشون، وناشرو الفساد، ظهورهم، انطلاقاً من أنّ الأمر لا يعنيهم، فهؤلاء، ومساندوهم، وداعموهم، وحُماتهم.. هؤلاء جميعا، وهم عينُ القذارة،.. هؤلاء (وطنهم) أموالهم، ومدّخراتهم، ولا عجب أن نرى مَن يُغادر البلد حين يقتضي الأمر، إلى حيث أودع كنوزه المنهوبة والموضوعة في بنوك الغرب.. هؤلاء أوطانهم أموالهم لا الوطن الذي هو وطن الشهداء، وأهل العزّة والكرامة، يلتحقون بأموالهم التي ليس فيها قرش من الحلال، ويتحوّل الوطن في ذاكرتهم إلى بقرة احتلبها حتى آخر ضرع، فلمّا نشفت ضروعها أسلمها لسكّين الغدر والمغادرة.

سمعتُ أن تاجراً مهمّاً من أصحاب ما لا يعلم عدّه إلاّ الله قد تبرّع بمليون ليرة! هل شاهدتم الكرَم الحاتميّ، وهو الذي جنى أرباحه من أفواه الفقراء والمعوزين؟!

-الكارثة كبيرة ورغم هوْلها يُفترَض ألاّ تشلّ إرادتنا، وألاّ تجمّد وعيَنا، بل أن تستفزّ في ضمائرنا قيَمَ الصبر، والإصرار على أنْ ننبعث من جديد كما سوف ينبعث الأخضر اليانع من قلب التّربة التي أكلتْها النّيران، ألسْنا نرى الآن في بعض الخرائب التي خلّفها الدواعش أغصانا خضراء تنبت من جديد؟. لو رجعنا إلى تاريخ هذه الأرض فسنجد أنّها قد مرّت بما يُشبه ما أصابنا الآن، إمّا بسبب كوارث طبيعيّة، أو بسبب غزاة محتلّين، ورغم ذلك فقد قامتْ من خرائبها، ووقفتْ بشموخ، ودليل ذلك مواجهة شرفاء هذه الأرض لخطر الدواعش، حين اقتربت النيران من نافذة كلّ بيت ذات مرحلة، فصانها الشرفاء، والذين هم كلّهم من الفقراء، إلاّ ما ندر.

ليست دعوة للتفاؤل المجّانيّ، أو الترويج الشعاراتي الذي ملّنا ومللْناه، بل هي دعوة للتمسّك بأسباب الحياة، لأنّه الخيار الأوّل والأخير، وهذا لايكتمل إلاّ بأن يكون القيّمون من الأوفياء، النّظيفين، لأنّ “.. الوفاءَ توأمُ الصّدق، ولا أعلَمُ جُنَّةً أوقى””1” والوفاء يكون للوطن ولأهله غير الملوَّثين، أمّا الذين غدروا، سابقاً ولاحقاً، مَن انكشف أو مَن ما زال متستّراً، أو محميّاً، فهؤلاء لا وفاءَ لهم، فـ”الوفاءُ لأهلِ الغدرِ غدرٌ عند الله، والغدرُ بأهل الغدر وفاءٌ عند الله”1″…

………………………………………

ما بين قوسين للإمام عليّ ع

aaalnaem@gmail.com