الجيش الأمريكي قوة من المرتزقة
هيفاء علي
يقوم الجيش الأمريكي بسرقة النفط السوري وشحنه إلى تركيا والعراق، كما أحرق حقول القمح في سورية، وهاجمها بالصواريخ، واستخدم الشركات الأمنية الخاصة على شاكلة بلاك ووتر لتجنيد المرتزقة واستقدامهم إلى ميادين المعارك في سورية والعراق واليمن، وتقديم الأسلحة إلى الإرهابيين، واغتيال القادة المحليين والأطباء والمعلمين، وارتكاب الفظائع بحق المدنيين فيها.
هذه الكلمات ليست لمحلل سوري أو روسي أو عراقي، بل هي لضابط أمريكي سابق شارك في حرب فيتنام، وهو غوردون داف الذي يتحدث في هذا المقال عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها ولايزال الجيش الأمريكي على مر السنين بحق الشعوب في المناطق التي قام بغزوها.
في بداية المقال يشير الكاتب إلى أنه يتم تدريب قوات العمليات الخاصة من أجل هذه المهام، وهكذا يمكن للأبطال “المشهورين” في حروب النفط أن يتسببوا بسقوط عدد كبير من الضحايا، ويقول: كل ما عليك فعله هو إطلاق النار على أي شخص تراه وتسميه “إرهابياً مشتبهاً به”، وهناك 2000 مقطع فيديو تظهر فيها الطائرات دون طيار تصوب صواريخها نحو المؤسسات الحكومية، والمستشفيات، وحفلات الزفاف أو الجنازات والمدارس.
ويضيف: الولايات المتحدة مثل تركيا و”إسرائيل” لا تزود الشرق الأوسط وأفريقيا بالإرهابيين فحسب، بل تقوم أيضاً بمهام قتالية، ومساعدتهم بأية طريقة ممكنة، وكل فظاعة ترتكب يوجد فيها عنصر من عناصر التدخل الأمريكي، من التخطيط وقصف المدنيين، إلى توريد أسلحة كيماوية محظورة، ومع ذلك لا أحد يجرؤ على التحدث بهذا الأمر إلا على انفراد، مثلما فعل قائد سلاح البحرية الذي شرح في مؤتمر انعقد في ضواحي فينيكس كيف كان الجيش الأمريكي يستخدم لتصدير أطنان من الهيروين سنوياً من أفغانستان، وكل هذا أصبح ممكناً “بفضل” مجموعة من الضباط خريجي أكاديمية الخدمة المختارين بسبب انحطاطهم الأخلاقي، والذين يشرفون على التعليم الكاذب والتلقين العقائدي للجنود المستعدين لتنفيذ التعليمات والأوامر.
كان يجب أن تكون فيتنام درساً لتطبيق إصلاحات في الجيش الأمريكي، ولكن لم يحدث هذا الأمر، بل أصبح جيشاً يعمل بسلاسة مع الدول التي يحكمها أباطرة المخدرات، ويعمل بشكل لا تشوبه شائبة مع إرهابيي “داعش” لسحق الحرية أينما كانت.
حماقات فيتنام
لم يكن الجيش الذي أرسلته الولايات المتحدة إلى فيتنام مستعداً لمثل هذه الحرب، ولم يكن جيشاً من خريجي الجامعات الذين تم تجنيدهم، بل كان جيشاً مكوّناً من شريحة حقيقية من أمريكا، باستثناء الغياب الصارخ لـ “الأبناء المحظوظين” مثل دونالد ترامب.
تقليدياً، على غرار القرن السابع عشر، يتكوّن الجيش من ضباط من الطبقات المتميزة الذين يشترون مناصبهم القيادية ويديرونها مثل شركة خاصة، ويتم تجنيدهم وإجبارهم على الخدمة، وإطلاق سراحهم من السجون، بالتأكيد كانت هناك استثناءات، ولكن هذه كانت القاعدة في الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى الوراء، كانت تلك المعارك التي وقعت خلال الحربين العالميتين مختلفة، حيث كانت معارك حقيقية خاضها جنود مواطنون وضباط كانوا موظفين في البنوك، ومدرّسين، ورجالاً مسلحين تم نقلهم واستلامهم مناصب في المجتمع مع استثناءات بالطبع.
كانت فيتنام آخر حرب خاضها المواطنون الجنود على الرغم من التاريخ القاتم لجرائم الحرب التي تتهم الولايات المتحدة بارتكابها في فيتنام، في الحقيقة أراد البنتاغون إنهاء “الجندي المواطن” لسبب واحد قبل كل شيء وهو أن “مواطني الديمقراطية لا يصنعون إرهابيين صالحين”.
أُجبر البنتاغون على استخدام تكتيكات جديدة لمعارضة الشيوعية حول العالم، والدروس التي تعلّمتها الولايات المتحدة في السلفادور وغواتيمالا ونيكاراغوا وهندوراس هي ما جعل جيشاً مثل الجيش الذي خدم في فيتنام غير ضروري، وأثناء حرب فيتنام، أصدر البنتاغون أوامره للقادة على الأرض لرفع الأعمال الوحشية، فيما تمّت مكافأة القناصين على ارتفاع عدد القتلى، كما صدرت أوامر للجنود ومشاة البحرية بحرق القرى أو قتل المزيد السكان، إن أمكن بالسكاكين، لمحاكاة القتال اليدوي، وبعدها تم توزيع العديد من الميداليات المزيفة على الضباط الذين خدموا في فيتنام، حيث تم استخدام المصورين الذين أعادوا إنتاج الأحداث البطولية الكاذبة، مع تغيير التواريخ والأماكن والأسماء.
في عام 1968 استسلم البنتاغون، وتم نسيان الوحدات القتالية التي تخدم في فيتنام، وأصبحت المواد الغذائية والإمدادات غير متوفرّة، وانتشرت المجاعة وسوء التغذية، وخاصة بين مشاة البحرية، حتى باتت الاضطرابات بين الجيش الأمريكي شائعة إلى حد التمرد، وحتى قتل ربما المئات وليس العشرات من كبار الضباط وضباط الصف في حوادث بين الجيش.
“المؤيدون”، كما كان يُطلق عليهم، قاموا ببناء مرافق خاصة مسيّجة بالأسلاك الشائكة في القواعد الأمريكية، وبعضهم انسحب واختبأ خوفاً من القوات التي كانوا يقودونها، يقول الضابط كاتب المقال: “لقد شاهدتها، ولم تكن ظاهرة منعزلة، لكنها لم تذكر في التقارير، ولم يعد يتم الحديث عنها بعد الآن”.
ويختم الضابط حديثه بالقول: اختارت الولايات المتحدة مسار عمل يتميز بالهيمنة العالمية، يعتمد على جيش يكون في الوقت نفسه قوة احتلال، ومؤيداً للتمرد، دون أية حدود بين “المقاتلين”، فالسياسات العسكرية، ومساعدة الإرهابيين، وتدمير البنية التحتية، ونهب النفط، وتعطيل إمدادات المياه، والحصار البحري الذي يعترض الإمدادات الغذائية والطبية، هي ممارسات قوة مرتزقة، وليست ممارسات جيش دولة قومية.