ثقافة الصورة وفلسفة المشهد جمالياً في ملتقى التصوير الضوئي للهواة
افتُتح في حلب مؤخراً، في صالة تشرين للفنون الجميلة، ملتقى التصوير الضوئي الأول للهواة، الذي تقيمه مديرية الثقافة بحلب ومركز الفنون التطبيقية بالتعاون مع فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في حلب والجمعية الحرفية للمصورين بحلب، ويستمر الملتقى لمدة ثلاثة أيام.
تنويعات الصورة
تمحورت محاضرتَا اليوم الأول حول بدايات العملية التصويرية، بدءاً من تاريخ التصوير واختراع الكاميرا مع القرن الثامن عشر، مروراً بتطوراتها الحديثة، وصولاً إلى كاميرا الشاشات المتنوّعة كالهاتف المتحرك والحاسوب، وتنوّع الكاميرا التقنية والرقمية والطائرة “الدرون”.
بداية، تحدث عبد الكريم عبيد مدير المركز التلفزيوني بحلب عن الصورة الصحافية بمختلف فئاتها، وتوثيق الصورة، وصورة السبق الصحافي، وعواملها المهمّة مثل سرعة البديهة، اللقطة التوثيقية، المكانية، والزمانية، وتنويعاتها المختلفة مثل الصورة الحدث، والصورة السياسية، والصورة الإعلامية، وأهميتها الضرورية، مؤكداً على عوامل أساسية لجماليات اللقطة وأهدافها وغاياتها ومنها الصدق الواقعي والفني. بينما حاضر أحمد حفار رئيس جمعية المصورين في حلب عن أساسيات التصوير، ومحاوره المهمّة، بدءاً من طريقة الإمساك بالكاميرا وصولاً إلى كيفية التقاط الصورة المناسبة للهدف.
جماليات الضوء والصمت
وجاء اليوم الثاني حافلاً بالحالة الفنية والتقنية التي تحدث عنها الفنان عاكف كموش، منطلقاً من معايير الجمالية التي كانت المحور الأساسي في جدات الكاميرات، ثم تطورت آلة التصوير لتصل بنا للمرحلة الرقمية، و”الأوتوفُل”، وعلاقة اللقطة بالدقة “الريزولايشن”، والزوايا، ومقاييس الضوء والانعكاس، وتغيير الكادر، والتسارع القوي 360 درجة، والبانوراما المكوّنة من 3 لقطات، إضافة إلى المعيارية القياسية العادية للعدسة 0,2، والبعد البؤري، وصولاً إلى أنواع العدسات المقربة والمايكرو، والزوم المتحركة، والثابتة الاحترافية، وعدسة تصحيح المنظور، والعدسة الدائرية “عين السمكة”، والمسافة المقربة، والمساحة الكادرية الثابتة، والزاوية العريضة.
وتحدث كموش عن التفاصيل الدقيقة الجزئية، والمباني الهندسية، وكيف أن الثقافة البصرية تلعب دوراً مهماً، لأن تغذية حاسة البصر، والمخزون البصري من العوامل الأساسية المهمّة لمختلف فئات التصوير، ومنها الحرفي، الإعلامي، والفني، فتبدو العناصر متكاملة بصرياً، وهذا ينتج عن عوامل متناسبة مع الصورة مثل الزاوية الجمالية البصرية، انعكاسات الضوء الصناعي والطبيعي، التشبيع اللوني، والألوان الأساسية والثانوية، مع مراعاة تدرجات الأسود والأبيض التي تصل إلى 21 تدرجاً، إضافة إلى النسب الجمالية الأخرى.
بدوره، ركّز الفنان عبيدة القدسي على القيم الجمالية في التصوير الضوئي، ولاسيما جمال الصمت، من خلال حكايات الصور المعروضة على الشاشة الإيضاحية بخلفية موسيقية، للطبيعة، والأمكنة، والتفاصيل الصغيرة، والفصول، والمعالم، الشتاء، العمق، والبعد، واختتم العرض بفيلم عن سورية مع الموسيقى التصويرية، ومن مفرداته نذكر: السيف الدمشقي، قلعة حلب، المهرجانات، الغابات الخضراء، وكانت شارة وزارة السياحة تبدو على هذا الفيلم.
وأكد القدسي على أن المشهد البصري هو لحظة توثيق لكل حالة في الحياة اليومية، تختلف تبعاً لمعايير الجمال الكثيرة، متسائلاً: هل هي النسبية؟ وأضاف: اختلف سقراط وأفلاطون حول معايير الجمال، لكن الجمال ولأنه بلا حدود فهو موجود في كل شيء في هذا الكون، انطلاقاً من مجرة التبانة إلى الأرض بقاراتها ومحيطاتها وعوالمها المتنوعة، إلا أن الجمال الأكثر جمالاً وجدناه في سورية مهد الحضارة. وجمال الصورة يختلف لدى الهواة لأنهم يرونها بطريقة مختلفة عن عيون المحترفين، ولا بد من الجمال الباطني والروحي والجمال القلبي للصورة أو المشهد، أو الصمت الذي يبدو في الصحراء أشبه بالأستوديو الإذاعي. واختتم بالحديث عن تجربته مع فيلم “عين الصقر” المهدى لوزارة الثقافة، والتفتت إليه إنترناشيونال جيوغرافي.
وراء كواليس الصورة
ومن وراء كواليس الصورة، كان لـ”البعث” هذه الآراء المختلفة عن الملتقى، وأولها رأي جابر الساجور مدير مديرية الثقافة الذي قال: ينقسم الملتقى إلى نظري تمثّله المحاضرات التحاورية، وإلى عملي مؤلف من جلسات متنوعة لمدة 20 يوماً. كما كشف الساجور عن معرض خاص للمشاركين، إضافة إلى منحهم شهادات مشاركة تخوّلهم الانتساب إلى جمعية المصورين، إضافة إلى مخاطبة اتحاد التشكيليين ووزارة الثقافة لقبولهم كأعضاء أصلاء في اتحاد الفنانين التشكيليين كمصورين ضوئيين.
وأخبرتنا عالية عجان، وهي إحدى المشاركات، بأنها اكتسبت ثقافة جديدة مختلفة عن جو الأرقام الذي تعيشه في عملها، وأضافت: ازددت علماً حول الصورة من ناحية الأبعاد واللون والعمق، وتعلمت المزيد من التركيز. بينما أكد أحمد حفار رئيس جمعية المصورين بحلب، مصور صحافي في صحيفة الجماهير، على أهمية هذا الملتقى الناتج عن عدة دورات تثقيفية للهواة امتدت بين 2019 و2020، وكانت مدة كل دورة ثلاثة أشهر للهواة ذاتهم.
بدورها، عبّرتْ يرميلا عجمي، وهي إحدى المشاركات، عن سعادتها بهذا الملتقى قائلة: استفدت من استخراج طاقتي الإبداعية في فن التصوير، واستعمال الكاميرا، وتطبيق الفكرة، وعرفت كيفية الإبهار البصري، إضافة إلى أننا كهواة شاركنا في عدة معارض لمديرية الثقافة على مدى عامين متتاليين.
ورأى صهيب عمراية، مصور صحافي في إذاعة المدينة، أن الملتقى خطوة جميلة لتطوير الخبرات، وصقل هواية الشباب، عشاق التصوير، مؤكداً أن المصور الفوتوغرافي لا يقلّ إبداعاً عن الفنان التشكيلي، ولا بد أن تعتمد الصورة الفوتوغرافية على الفكرة والمضمون والهدف، ولفتَ إلى أن من أهم المعوقات أمام المصورين هي عدم المشاركة الاجتماعية، مثلاً، عندما أريد تصوير جمالية حارة معينة، أجد أن المجتمع غير معتاد على المصورين، وسعيد لأنني قدّمت فيلماً توثيقياً عن حلب، كان موضوعه الخراب.
غالية خوجة