الخسائر.. جسيمة جداً..!
تُسبّب أزمة الطاقة، بشقيها المحروقات والكهرباء، خسائر جسيمة للاقتصاد الوطني منذ ثلاثة عقود تقريباً، ولم تتمكّن الحكومات المتعاقبة من إيجاد حلول جذرية ودائمة تجتثّ هذه الخسائر الفادحة التي تنعكس سلباً على العباد والبلاد! وقد أوهمتنا بعض الحكومات السابقة أن الحلّ السحري لهذه الأزمة يكون بتحرير أسعار الطاقة، وقد فعلتها تدريجياً منذ عام 2008، ولم تتوقف الحكومات المتعاقبة عن فعلها حتى الآن.
حسناً.. هل أدّى تحرير الأسعار إلى حلّ أزمة الطاقة كلياً أو جزئياً؟
قلناها منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي عبر جريدة “البعث”: “لا يستهين أحد بالخسائر التي تسبّبها أزمة الكهرباء، فهي ليست بالملايين وإنما بالمليارات، وليس في هذا تهويل، وإنما هو حقيقة واقعة لا تحتاج سوى إلى دراسة ميدانية”.
ومن المؤسف أن ما من جهة لديها المعطيات الموثقة، أعلنت حجم الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد الوطني حتى الآن ولو.. تقريبياً!
وها هي غرفة صناعة حلب تكشف بأن “أزمة المحروقات الحالية أثّرت بشكل سلبي على الصناعة في البلد، عموماً، وحلب على وجه الخصوص، كون المناطق الصناعية فيها لا يصلها التيار الكهربائي على مدار الساعة، بل نحو 12 ساعة يومياً..”.
ماذا يعني هذا الكلام؟
الإنتاج إما سينخفض في حال عملت المصانع وفق برنامج التقنين، أو سترتفع تكاليف المنتج في حال اضطر الصناعي لشراء المازوت من السوق السوداء ليتمكّن من تشغيل المولدة الكهربائية. وعندما ترتفع التكلفة تنعكس مباشرة على المستهلك، كما تعرّض الصناعي للخسائر لأن منتجاته لم تعد قادرة على المنافسة، وتفقد إمكانية تصديرها للخارج!
الصناعي الآن أمام خيارين: إما أن يخفض ساعات العمل واليد العاملة أيضاً، أو يشتري ليتر المازوت بمبلغ 750 ليرة بدلاً من 300 ليرة الذي يشتريه عادة من شركة محروقات التي خفضت الكميات المسلّمة للصناعيين بسعر مدعوم.
كذلك الأمر بالنسبة للمزارعين الذين يعتمدون على الكهرباء أو محركات الضخ لري مزروعاتهم، فهم يعانون مثل الصناعي، فإما أن يقنّنوا فيخفّضوا إنتاجهم، أو يؤمّنوا المادة بالسعر الأسود فترتفع تكاليف منتجاتهم التي سيدفع تكاليفها المستهلك، والمزارع أيضاً الذي لن يتمكّن من تصديرها لارتفاع أسعارها مقارنة بمنتجاتها المنافسة في الأسواق الخارجية!
منذ ثلاثة عقود تقريباً تجرأت شركة عامة واحدة،، وكشفت أنها تخسر سنوياً 600 مليون ليرة بسبب نقص الكهرباء.. تُرى كم تبلغ خسائر القطاعين العام والخاص حالياً بسبب أزمة الطاقة؟
كما ترون!! أزمة الطوابير أمام محطات الوقود، على الرغم من المعاناة المريرة التي يعيشها أصحاب السيارات العامة والخاصة، ويهدرون بسببها الوقت والجهد، وغالباً على حساب العمل والإنتاج، فإنها لا تُقاس بالخسائر الجسيمة التي يتكبّدها الاقتصاد الوطني والأسرة السورية محدودة الدخل يومياً.
نعم.. الأسرة السورية تدفع الثمن أيضاً من خلال ارتفاع أسعار النقل وكل المنتجات بلا أي استثناء، والمشكلة الأكبر أن ما من جهة حكومية منذ ثلاثة عقود تقريباً كان لديها الحلّ أو الرؤية المستقبلية لوقف هذا النزيف لدخل الأسرة وللاقتصاد، وهذا ما يثير الاستغراب، و.. التساؤلات!!
بالمختصر المفيد.. لم يكترث أحد من الجهات المسؤولة حتى الآن بالخسائر اليومية التي تصيب اقتصادنا الوطني، وتشفط الجزء الأكبر من دخل الأسرة بفعل أزمة الطاقة المستمرة منذ ثلاثة عقود، باستثناء انفراجات محدودة جداً.. جداً.
علي عبود