مجلة البعث الأسبوعية

روسيا في سورية والقوقاز.. هل هناك محاولة أردوغانية للانتقام؟

“البعث الأسبوعية” ــ تقارير

أصبح دور تركيا الضخم في تأجيج الصراع بين أرمينيا وأذربيجان أكثر وضوحاً، وهذا هو السبب في أنه سيكون من الصعب إبرام اتفاق سلام. وفي الواقع، قد ينفجر الصراع إلى حرب إقليمية طويلة الأمد قد تجر روسيا إلى القتال، في القوقاز، على أطرافها الجنوبية ضد وكلاء الناتو.

في مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعمه جهود موسكو للتوسط لوقف إطلاق النار في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان. على الرغم من ذلك، بدا أن أردوغان يمارس نوعاً من المماطلة أمام نظيره الروسي. وقال إنه يجب أن يكون هناك “حل دائم” للنزاع الإقليمي المستمر منذ عقود.

لقد أوضح أردوغان وحليفه الرئيس إلهام علييف، بالفعل، أن الحل الوحيد المقبول لهما هو أن “يتنازل” الأرمن عن المطالبة بناغورنو كاراباخ. ولطالما وصفت تركيا وأذربيجان – المرتبطتان بالثقافة التركية المشتركة – الجيب الذي يسيطر عليه الأرمن بالاحتلال غير الشرعي للأراضي الأذربيجانية، منذ انتهاء الحرب الحدودية في عام 1994.

وعندما اندلعت الأعمال القتالية مرة أخرى، في 27 أيلول الماضي، أشارت التقارير الأولية إلى أن الاشتباكات كانت عشوائية، حيث تبادل الجانبان الاتهامات ببدء العنف. ومع ذلك، أصبح من الواضح منذ ذلك الحين أن الإجراءات التي اتخذها الجانب الأذربيجاني كانت على ما يبدو اعتداء مخططاً ومبيتاً بدعم تركيا الكامل.

بعد اشتباك دموي سابق في 12/ 13 تموز، أسفر عن سقوط عشرات الضحايا في صفوف القوات الأرمنية والأذربيجانية، بدأت مناورات عسكرية ضخمة في أذربيجان شارك فيها 11 ألف جندي تركي ابتداء من 29 تموز. ولمدة أسبوعين تقريباً، حتى شهر آب، تم نشر الأسلحة المدفعية والطائرات الحربية ووحدات الدفاع الجوي، في ما كان واضحاً أنه دافع رئيسي من جانب أنقرة وباكو لتنسيق الجيوش في كلا البلدين لتنفيذ عمليات مشتركة. علاوة على ذلك، أشارت التقارير إلى أن القوات التركية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة من طراز F-16، بقيت في أذربيجان بعد التدريبات العسكرية غير المسبوقة.

إلى جانب التدريبات، كانت هناك أيضاً زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة العسكرية من تركيا إلى أذربيجان. وبحسب أرقام الصادرات التركية، كانت هناك زيادة ستة أضعاف في صفقات الأسلحة مقارنة بالعام السابق، حيث تم تسليم معظم الإمدادات في الربع الثالث من العام 2020، بين تموز وأيلول. وشملت الأسلحة طائرات بدون طيار وقاذفات صواريخ كان لها تأثير مدمر منذ اندلاع الأعمال العدائية في 27 أيلول.

العامل الثالث الذي يشير إلى عدوان مخطط له كان نقل نظام أردوغان للمرتزقة من سورية وليبيا للقتال في الجانب الأذربيجاني. وقد وصل الآلاف من هؤلاء “المقاتلين” الذين ينتمون إلى كتائب تكفيرية خاضعة لسيطرة تركيا إلى العاصمة الأذربيجانية باكو قبل اندلاع الأعمال العدائية في 27 أيلول. ولا يمكن أن تعني الخدمات اللوجستية التي ينطوي عليها تنظيم مثل هذا الانتشار الواسع إلا التخطيط على المدى الطويل لحرب عدائية.

وتقول المصادر الأرمينية أيضاً أن السلطات الأذربيجانية بدأت في حجز المركبات المدنية قبل أسابيع من بدء حرب إطلاق النار، كما تقول أنه، عند بدء الاشتباكات، كانت وسائل الإعلام التركية موجودة على الأرض لتقديم تغطية حية للأحداث.

لذلك يبدو أنه لا جدال في أن تركيا وأذربيجان قد اتخذتا قراراً استراتيجياً لتنفيذ “حل نهائي” للنزاع الذي طال أمده مع أرمينيا بشأن ناغورنو كاراباخ.

وهذا ما يجعل الجهود الروسية للتوسط في وقف الأعمال العدائية أكثر صعوبة. بعد محادثات ماراثونية توسط فيها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تم إقرار وقف لإطلاق النار في 10 تشرين الأول. غير أن الهدنة انهارت في غضون ساعات مع ورود أنباء عن استئناف تبادل إطلاق النار وقصف المدن على الجانبين. الانتهاكات الرئيسية ارتكبها الجانب الأذربيجاني باستخدام أسلحة تركية متطورة، واشتكى القادة الأرمن من أن الجانب الأذربيجاني لا يبدو مهتماً بمتابعة محادثات السلام.

الأمر الأكثر إرباكاً هو اتساع نطاق الصراع، فقد أصابت الضربات الجوية الأذربيجانية، منذ انهيار وقف إطلاق النار في نهاية الأسبوع، مواقع داخل أرمينيا، ما أدى إلى تمديد الصراع إلى ما وراء منطقة ناغورنو كاراباخ. كما قالت أذربيجان أن الصواريخ الأرمينية أصابت مدناً داخل أراضيها. وتنفي أرمينيا بشكل قاطع تنفيذ مثل هذه الضربات، الأمر الذي يطرح السؤال التالي: هل يقوم طرف ثالث سراً باستفزازات ويثير تصعيد الصراع؟

ما يمثل تحدياً بالنسبة لروسيا هو أن عليها التزاماً قانونياً بالدفاع عن أرمينيا كجزء من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (1992). ومع تعرض أرمينيا لإطلاق النار، سيكون هناك ضغط على موسكو للتدخل عسكرياً. وسيؤدي ذلك إلى تورط روسيا في حرب أخرى بالوكالة مع تركيا، العضو في الناتو. لكن هنا ليس سورية.. إنها منطقة القوقاز على الحدود الجنوبية لروسيا. وهناك مخاوف بين كبار الشخصيات العسكرية الروسية من أن مثل هذا السيناريو هو بالضبط ما يهدف إليه أردوغان. لقد تفوقت روسيا على تركيا في الحرب بالوكالة في سورية، وأصيبت خطط أردوغان وحلف شمال الأطلسي في سورية بالفشل الذريع. ويبدو أن الصراع في القوقاز قد يكون الآن نوعاً من الانتقام الأردوغاني.

قد تحتاج موسكو إلى مراجعة علاقاتها مع أنقرة بجدية، وإعلام أردوغان بأنه يسير على الخطوط الحمراء.