سلام.. أم تطبيع هل يفرّط العربي بحقوقه الشرعية؟!
(في فضاء الردّ السوري على طرح الموفد الأمريكي للتعاون في مكافحة الإرهاب)
د. عبد اللطيف عمران
مع بروز سطوة المحافظين الجدد ومفرزاتها في الواقع الدولي المعاصر، وبما تنطوي عليه من سياسات الهيمنة والتفرّد، ونوازع القطبية الأحادية، وطروحات (من ليس معنا فهو ضدنا) و(محور الشر)، لم يعد هناك من مصداقية ولا التزام بقرارات الشرعية الدولية، ولا بالقانون الدولي، على نحو ما كان سائداً في القرنين السابقين. وها نحن نشهد ضرباً عرض الحائط بالاتفاقات الدولية، وبقرارات الجمعية العامة، ومجلس الأمن، وبالقانون الدولي من قبل زعماء معاصرين متطرفين من أمثال ترامب وأردوغان ونتنياهو.
لكن المشكلة ليست هنا فحسب، بل المشكلة تكمن في حين يكون أصحاب الحقوق (المشروعة) و(الشرعية) هم الذين ينخرطون في التنكّر للقرارات وللقوانين التي تدعم حقوقهم، فيبادرون إلى التفريط بها، في وقت نجد أطرافاً دولية تدعم هذه الحقوق، وتجابه التفريط بها على نحو ما شهدنا مثلاً في تصريح الخارجية الروسية رداً على إعلان ترامب (صفقة القرن):
ليس الولايات المتحدة من يقرّر مسيرة السلام في الشرق الأوسط.
فإذا كان بعض النظام الرسمي العربي يمضي مسرعاً في التفريط بهذه الحقوق المشروعة والشرعية فإن الشارع العربي برأيه العام الشعبي، وبأغلب أحزابه ومنظماته واتحاداته ونقاباته المهنية والشعبية، الثقافية والفنية والرياضية.. إلخ لا ينسى هذه الحقوق وتلك القرارات، ومنها على سبيل المثال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 لعام 75 الذي ينصّ على (إن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وهي تشكّل خطراً على الأمن والسلم العالميين)، لكن البعض لا يدرك معنى هذا وأهميته، ولا الفرق أو الصلة بين السلم والسلام ثنائي الأطراف بخطره وبالتسرع فيه، لأنه فقط يتذكّر أو يتمسّك بأن هذا القرار أُلغي عام 1991 لأن الإلغاء كان شرطاً مسبقاً لمشاركة (إسرائيل) في السنة ذاتها بمؤتمر مدريد، بينما الرأي العام العربي يدركُ بدقة مآل مؤتمر مدريد واتفاقيتي وادي عربة وأوسلو، وكمب ديفيد قبلهما، بما في ذلك استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب والأرض والحقوق العربية وقرارات الشرعية الدولية، وبخاصة قرار مجلس الأمن رقم 242 المتضمّن (انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة- القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان العربية السورية).
حسناً.. لا يعرف العربي اليوم -وعلى وجه الدقّة والتحديد (العروبي)- الفرق بين مصطلحي (السلام) و(التطبيع)، فإذا كانت الاتفاقات الثنائية بين الكيان الصهيوني وبعض النظام الرسمي العربي اتفاقات سلام فأين هي جبهات القتال الساخنة اليوم بين طرفي الاتفاق؟!. إن مجريات الأمور تكشف أن هذا ليس سلاماً بل استسلاماً في سياق التطبيع، أي تحويل العلاقات بين الطرفين لتكون (طبيعية) جرّاء تناسي (تاريخ) الخلاف والعداء، لذلك يصرّ الصهاينة على تسمية الاتفاقات الثنائية اتفاقات سلام، ويصفونها بـ(التاريخية)، ويدفعون هم والإدارة الأمريكية بداعش ليعلن الناطق باسمه ألعوبة أنه يستهدف التطبيع والمطبّعين لخلق حالة عداء (واحدة) للتطبيع بين داعش ومقاومة التطبيع والاستسلام، وتستمر الألاعيب حين يعلن (الإسرائيلي) للطرف العربي عن تخوّفه من معارضة تركيا لاتفاقات السلام، بزعمهم أن أردوغان (إخونجي) ضد السلام، في وقت نعرف فيه أن أردوغان أرذل المطبعين وأخطرهم، وأن الإخونجي محمد مرسي كتب رسالة (تمنيات أخوية تاريخية لبيريز) هي سمة وعار على الإخونجية.
هذا التفريط، والتسرّع، هل يعرف أقطابه الفرق بين (إسرائيل) و(الكيان الصهيوني)، وهل هذه الاتفاقيات تضع حدوداً واضحة، جغرافية وسياسية واقتصادية… لـ(الصهيونية)؟! في وقت يطالعنا بعض رجال الأعمال (العرب) بصدى رسالة مرسي السابقة ليعلن عن الاستثمار المشترك في القدس الشرقية، وعن (المصالح المشتركة، و”القيم المشتركة”!! وعن السلام الدافئ)، فهل لبعض العرب قيم مشتركة مع الاستيطان، والاحتلال، والعنصرية وتهويد القدس الشرقية التي تمّ تقسيم القدس جرّاءها إلى شرقية، وغربية، وبالأحرى إلى القدس، (والقدس الشريف)، وهنا الفرق كما هو بين السلام، والاستسلام (التطبيع)، فالقدس كلها شريف بشرقها وغربها، إذ إن أي أرض عربية محتلة هي حق وواجب (شريف).
إن القيم المشتركة غائبة بين العروبية والصهيونية، بينما هي حاضرة اليوم بين الصهيونية والعثمانية الجديدة، حيث يرى العالم -مجلة ذا ناشيونال انترست الأمريكية مثلاً- (أن طموحات أردوغان أصبحت خارج السيطرة، فهو يستخدم وكلاء إرهابيين ولا سيما من سورية للقتال ضد سورية وليبيا وأرمينيا… إن أردوغان 2020 مثل صدام 1990).
إن العالم الجديد المستهزئ بالقانون الدولي، وبالشرعية الدولية يغري أمثال نتنياهو وأردوغان بالأطماع، وإن طرح مقاومة الاحتلال والعدوان والعقوبات، ثقافة ونهجاً لن يموت، ولن ينكسر مادامت هناك روح عروبية، وستدوم، ولن يستطيع لا العربي ولا العروبي التفريط بالحقوق لأنه من الواضح -حتى تاريخه- أن (إسرائيل) ستبقى صهيونية، ولن تقبلهما إلاّ مستسلمَين، وبالمقابل فإن الأجيال الطالعة لن تستطيع التكيّف مع الاستسلام ولا قبوله لما فيه من إذلال وتفريط..