لا يُلام المحافظ..!.
قدمت حادثة تلوث المياه في المعضمية، وما تلاها من مواقف وتصريحات واجتماعات ولجان، مشهداً واقعياً عن الواقع الخدمي في ريف دمشق، حيث تتسابق قرارات تشكيل اللجان بعد كل حادثة لتنتهي كما بدأت بالتساؤلات ذاتها: “كيف؟ ومن؟ ولماذا؟” دون إجابات واضحة، أو مساءلة الفاعلين أو المتسببين، لتتلاشى شيئاً فشيئاً حالة الاستنفار الاستعراضي، ولتذوب الوعود في أدراج النسيان التي لم تعد تتسع للمزيد!.
لا شك أن إدراك الناس لحقيقة صعوبة الظروف من المناحي كافة، وأن حياتهم لن تنقلب بين ليلة وضحاها، بات قاعدة للكثير من القناعات الحاضرة في يومياتهم، فهم مثلاً على قناعة ومعرفة تامة بأن تحسن واقع الإدارة العامة والخدمات يحتاج إلى عمل جاد وممنهج ولجهود كبيرة، هذا عدا عن الفترة الزمنية الطويلة التي تستلزم لبدء ظهور حالة التعافي، وطبعاً هذا الفهم والإدراك لا يعطل أو يقلل من شرعية مطالبهم في تعجيل الخطوات، واستزراع الوعود في ساحات التنفيذ التي باتت خاوية من عمل حقيقي يرفع من مؤشرات الإنتاجية، ونسب العمل الفعلي في القطاع الخدمي الذي يعد الأول في سلم اهتمامات الناس، والمتشابك بخدماته بتفاعل الأداء الحكومي مع الواقع، وقدرته على إحداث التغيير المطلوب.
ومع ضعف الأداء وتواضع عمل الوحدات الإدارية لابد من تسجيل اعتراض واضح وصريح على نهج إدخال الواقع الخدمي في جميع المحافظات في متاهة المعادلات الرياضية والتكاليف والحصار، وربطه دائماً بوقائع الأحداث، حتى ولو كان الموضوع يتعلق “ببلوعة” مطرية، أو بطمر حفرة في الشوارع المنهكة من النسيان والإهمال، وبشكل وضع انحراف الاستجابة لمطالب الناس الخدمية أو العجز الدائم في التخفيف بعض الشيء من أعبائهم، في خانة التخلي غير المبرر عن احتضان حقوقهم، ويمكن القول: إن تراجع واقع الكثير من الخدمات العامة، وتقصير الجهات المختصة في مهامها، والاتكاء الممنهج على الظروف الاستثنائية التي شرعنت أخطاء مجالس الوحدات الإدارية وتجاوزاتها، لم يكن إلا تمرداً على الأنظمة والقوانين، وتصريحاً رسمياً بالقطيعة مع المواطن الذي يردد دائماً مقولة: “فالج لا تعالج”!.
مسلسل مبررات وأعذار الجهات الخدمية في ريف دمشق بات “مملاً”، ويزيد من سوء الواقع الخدمي في بلدات وقرى المحافظة، فتعبيد شارع، أو قمع مخالفة، أو إيصال المياه النظيفة والصالحة للشرب، ليس بالمهمة الصعبة أو المستحيلة كما يدعي البعض الذين يتوارون بتقصيرهم خلف محاولاتهم لترتيب الأولويات التي تأتي حسب أهوائهم، فاليوم يشكّل رغيف الخبز أولوية نظراً لصعوبة الحصول عليه، وهو في الوقت ذاته غطاء شرعي للتقصير في مجالات أخرى تحت عنوان: تسخير كل الإمكانات لحل هذه المشكلة المتكررة، والمشهد ذاته في الكهرباء والمياه والمحروقات وحماية الغطاء الأخضر ووو..؟!.
وبالنتيجة النهائية، لا يلام المحافظ أو أي مسؤول عند وقوع الحوادث فقط، بل على مدار الساعة، فالنتائج تكون محصلة للمتابعة والإشراف اليومي على كافة الوحدات الإدارية والجهات الخدمية، ويشترك في هذه المسؤولية أعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة، حسب اختصاص كل مكتب، ولابد من محاسبتهم أولاً على التقصير الحاصل في أي قطاع، ولكن للأسف ما يتم على أرض الواقع بعيد كل البعد عن العمل الوظيفي، حيث تسير الأمور بمواكب إعلامية مجلجلة إلى السراب والضياع خلف الأبواب المسؤولة، فتقرأ تقارير اللجان على عجل، وتحال إلى فرامات الورق .
القضية باختصار، عندما تتوفر الإرادة والجدية للمحاسبة والمتابعة الحقيقية يبدأ قطار الحلول بالتحرك، وبغير ذلك سيبقى “الحبل على الغارب” كما يقال.
بشير فرزان