مجلة البعث الأسبوعية

“هيئة التخطيط الإقليمي”.. الأجدى إعادة التبعية إلى رئاسة الوزراء!

“البعث الأسبوعية” ـ ابتسام المغربي

شكل إحداث هيئة التخطيط الإقليمي نقطة مضيئة في تصحيح مسار مشاريع تم طرحها تحت مسميات وشعارات كثيرة، فكان أن تم إلغاء معظمها. عملت الهيئة برؤية وجدية وتعاون مع الخبرات وأنجزت دراسات ومشاريع، منها شارع الثلاثين واليرموك وقاسيون والرمل الفلسطيني في اللاذقية، وكثير غيرها، ولكن للأسف تم اتباع هذه الهيئة لوزارة الإسكان, وأصبحت مهملة لا تنجز اي دراسة أو عمل يعتد به على الرغم من تغير إداراتها!

 

حاجتنا ماسة للتنمية

الباحث في التنمية ماهر الرز، الذي عمل في الهيئة، أوضح أن وضع ما قبل الحرب، والذي تجلى في اختلالات مكانية على صعيد تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، والوضع الحالي الذي تمر به سورية، يظهر الحاجة لسياسات ورؤى تنموية جديدة تبنى على المدى الطويل، وعلى أسس راسخة من التشاركية مع القطاعات العامة والخاصة والمجتمعات الأهلية، مشيراً إلى إن البحث عن رؤية بديلة موضوعٌ يتشارك الاهتمام به العديد من المؤسسات، ويتطلب إنجازه مبادراتٍ طموحة تشاركية الطابع، تعمل على عدة مستويات تخطيطية، وتعبر عن مصالح مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية، خاصةً تلك التي تعاني من مستويات “حرمان” مرتفعة، وتحتاج الى رفع مؤشراتها الإنمائية وتحفيزها للاشتراك في التنمية بصورة إيجابية.

 

اهمية التخطيط الإقليمي

يقول الباحث الرز: يتمثل الجهاز التخطيطي المركزي الأساسي في سورية بهيئة التخطيط والتعاون الدولي، وهي جهة ذات خبرة واسعة في الإدارة وإنتاج الخطط، وتعتبر مسؤولة عن وضع “خطّة” الدولة التي توزع الموارد الوطنية على قطاعات التنمية والخدمات. وقد أضيفت لهذه البنية، عام 2010، هيئة للتخطيط الإقليمي (تخطيط مكاني الطابع) بهدف وضع الخطط الخاصة لتوزيع هذه الموارد مكانياً، من خلال إدارة الأراضي والموارد الطبيعية والبشرية الفاعلة. وتكمن أهمية هيئة التخطيط الإقليمي – يتابع الرز – في دورها الفاعل في عملية التخطيط المكاني، من خلال إعداد وتنفيذ التوجهات الوطنية للتخطيط الإقليمي، عبر شراكات متعددة المستويات مع جهات القطاعين العام والخاص والمجتمع الأهلي، بالإضافة إلى وضع الأطر والدراسات الإقليمية والهيكلية والإشراف على تطبيقها بالتنسيق مع كافة الجهات المركزية والمحلية.

وقد يكون المبرر الأساسي الذي يستوجب العمل بآليات التخطيط الإقليمي هو البحث في سبل تحقيق نظام إنفاق واستثمار عام، عادل ومتوازن جغرافياً، لا يهمش الأطراف، ويعطي المجال لمختلف مدننا وأريافنا لإقلاعة اقتصادية تحمي العائلات من التفكك والهجرة إلى المناطق المركزية. ويمكن من خلال اعتماد جاد لمنهج مماثل الحديث عن نهضة ريفية ومدينية جديدة لا تعتمد على مناطق التركز التقليدية، وبعد إعادة التوجيه المنشودة للاستثمارات العامة (البنية التحتية والتعليم العالي والمهني بشكلٍ خاص)، يمكن الحديث عن دور للقطاع الخاص بوصفه المولد الأساسي لفرص العمل، والذي لن يبادر لاقتحام المناطق الطرفية دون مبادرة الدولة واستثماراتها التأسيسية. ويؤكد الباحث الرز أن التخطيط الإقليمي يعد جسراً تخطيطياً بين المستوى المركزي القطاعي الذي تعتبر هيئة التخطيط والتعاون الدولي المسؤول الأساسي عنه، وبين المستويات اللامركزية التي تعبر عنها مجالس المحافظات واتحادات البلديات ومجالس المدن.

 

صعوبات التخطيط الإقليمي

ولكن، ومن خلال الممارسة العملية للتخطيط الإقليمي, واجهت عملية التطبيق اختلالات ونقاط ضعف لعل من أبرزها صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 11316، تاريخ 13/ 8/ 2012، والذي حدد جهة ارتباط هيئة التخطيط اللإقليمي بوزارة الإسكان والتنمية العمرانية (حالياً وزارة الأشغال والتنمية العمرانية)، وذلك بعد عامين من إحداث الهيئة بموجب القانون 26، للعام 2010، بحيث تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وترتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة، وذلك انظلاقاً من أن التخطيط الإقليمي “تخطيط تكاملي يوجه ويترجم وينظم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية والبيئية، في كل ما يتعلق بالسكان والمكان والزمان والبيئة، ويأخذ البعد المكاني بالاعتبار، وأن دور الهيئة يقوم على تنسيق وقيادة عملية التخطيط المكاني.

ولكن تحديد موقع الهيئة المؤسساتي كجهة تابعة لوزارة الاشغال – يتابع الرز – أفقدها جزءاً كبيراً من دورها كجهة قائدة ومنسقة، وعزز الفكرة الرائجة بأن عمل الهيئة عمل عمراني وإسكاني، وأفقدها جزءاً من حياديتها كجهة تقف على مسافة واحدة بين الوزارات والجهات العامة، كما أفقدها القدرة على عقد وقيادة الكثير من الاجتماعات التي تحتاج وجود موظفين عاليي المستوى الإداري (ومنها صعوبة تشكيل المجلس الاستشاري للهيئة)، وغيّب حضورها في اجتماعات مهمة تساعدها في رسم السياسات والخطط واستشراف التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مثل اجتماعات مجلس الوزراء، واللجنة الاقتصادية، ولجنة التنمية البشرية، ولجنة البنى التحتية والخدمات، وعضوية المجلس الأعلى لإعادة الاعمار، كما أضاف حلقة إدارية لا تحوي أي قيمة مضافة في عملية المراسلات والإجراءات الإدارية، فيما لم تظهر أي انعكاسات إيجابية لهذا القرار على العملية التخطيطية وعمل الهيئة، على مستوى الممارسة العملية.

 

من الناحية الفنية

هنالك انطباع عام لدى الكثيرين بأن التخطيط الإقليمي نوع مكبّر من التخطيط العمراني، وبالتالي تكون الاختصاصات العمرانية والمدنية والعمرانية هي المسؤول الرئيسي على العملية، وهو ما يتناقض تماماً مع عملية التخطيط الإقليمي وفق المتعارف عليه في التجربة العالمية. ما نعنيه هنا، هو أن التخطيط الإقليمي نوع من أنواع التخطيط الكلي بصورة أساسية، وهو بطبيعته عابر للاختصاصات وجامع للمفاهيم.

ويوضح الرز أن أغلب البيانات المتوفرة تعود إلى ما قبل الأزمة التي تشهدها البلاد، وهذا جعل الكثير من التوصيات لا تتمتع بالكفاءة المطلوبة، نظراً لأن البيانات التي تقوم عليها الدراسات ذات الصلة قد تغيرت بشكل كبير، فمثلاً البيانات التي تستخدم لإنجاز خارطة السكن العشوائي، وعلى المستوى الإقليمي، أصبح من المحال اعتمادها نظراً لأن مناطق السكن العشوائي كانت الأكثر تضرراً خلال الأزمة، وهو ما ينطبق على مشاريع الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي وخارطة السكن والإسكان. اضافةً الى أن البيانات والمعلومات التي تقدم من المكتب المركزي للإحصاء تحمل شيئاً من الخلل في حد ذاتها، فالأزمة الحالية كانت عائقاً أمام المكتب المركزي للإحصاء للقيام بتحديث البيانات في الكثير من مناطق البلاد. والتي بدونها لا يمكن للهيئة العمل.

 

اقتراحات وتوصيات

ويقترح الباحث الرز أن تحتل هيئة التخطيط الإقليمي مكانتها الحقيقية واللازمة في البنية التحتية الإدارية السورية، بوصفها جهة بحثية تقدم الرأي العلمي والمشورة لصانع القرار الحكومي، مع إعادة تبعية الهيئة لرئاسة مجلس الوزراء، واعتبار هيئة التخطيط الإقليمي وهيئة التخطيط والتعاون الدولي جناحي عملية إدارة التنمية والتخطيط في سورية، ولضمان التنسيق العالي المستوى في هذه العملية، من الممكن تشكيل مجلس اعلى للتنمية والتخطيط برئاسة رئيس مجلس الوزراء تجتمع مرة في الشهر، وكلما دعت الحاجة.

وتعزيز علاقة الهيئة مع المنظمات الدولية والجهات المانحة والدول الصديقة لتبادل التجارب والخبرات، واعتماد التخطيط المكاني كمنهج وآلية عمل تقود عملية التنمية المتوازنة.