الأمير السوري الصغير
“البعث الأسبوعية” ــ رامز حاج حسين
“B 612” كوكبي الحبيب
لطالما أسرتني تلك العبارة التي كانت تستهل مقدمة حلقات مسلسل كرتوني شهير بعنوان “الرحالة الصغير” يتحدث عن رواية “الأمير الصغير” للكاتب الفرنسي الملهم أنطوان دو سانت اكزوبيري. كانت العبارة تتحدث عن فتى صغير وحيد يعيش على كوكب في المجموعة الشمسية مجهول الهوية والمكان، قرب نجم ساطع.. يسمى هذا الكويكب بالكوكب ب 612، والتسمية نفسها تفتح في ذهني كل ملامح العمليات الرياضية التي ما أفضت يوماً إلا إلى الدهشة والخيال.
لماذا يكون اسم الكوكب حرف ب!؟ ولماذا رقمه 612!؟ ولماذا لا يقطنه إلا هذا الفتى الصغير وحيداً مع معشوقته الوردة الجورية الحمراء!؟
مثل هذه الأسئلة، لو تمعن بها كاتب قصص الأطفال والرسام لحصل على مفاتيح مهمة لكتاباته وألوانه، ليتمكن، فيما بعد، من القيام بعمل ثقافي إبداعي نحو مخيلة الطفل، ويضمن لنفسه – مع كل جانب من جوانب الإجابات التي سيتفتق عنها خياله – أن يمتلك الدهشة والغموض والفضول لقارئه الصغير بعد طباعة عمله الملهم.
قلنا مراراً إن الدهشة هي أول معالم الإمساك بمخيلة الطفل وقت قراءة القصة، أو وقت رسم لوحاتها، فالطفل بحاجة لجرعة عالية من الخيال والإبهار اللغوي والبصري، لكي يتمكن رعاة الوجبة الثقافية من الإمساك بتلابيب عقله نحو دفتي الحكاية، فلا يخرج الطفل وهو غارق في دهشته إلا والوجبة الفكرية والبصرية قد دخلت مكانها الأمين، واستقرت في مخيلته.
.. وحب الوردة الجورية
عن فكرة أن يحب الطفل الصغير، وهو أمير الكوكب، كائناً حياً صغيراً وضعيفاً يحتاج الرعاية لهو أمر غاية في الأهمية.. من هنا نستطيع أن نغرس في الطفل حب الغير والتعاطف النبيل مع الضعيف ومساعدة الصغار والمخلوقات الرقيقة، ولك أن تعدد ما شئت من القيم النبيلة التي يمكن أن نجاريها لو كتبنا حبكة قصصية بمثل هذه البساطة والروعة.
نفتقد في لوحات أطفالنا ولغتهم البصرية الكثير من هذه القيم والمعاني، وحتى في قصصهم؛ وإن أردنا الإنصاف أكثر، فلنقل أنه من النادر أن نقارب هذه القيمة بطريقة غير تلقينية، وبطريقة غير فجة ومباشرة، فهناك محاولات عديدة لكنها تبدأ بالأوامر العليا من قصرنا الأدبي العاجي نحو ذهنية الطفل المتلقي: ابتعد عن قطف الأزهار.. لا تؤذ الحيوانات الصغيرة.. لا تكسر أغصان الشجرة!!
مجرد طرح النهايات أو الخواتيم للقصص، بطريقة كهذه، فإنها ستكون محرضات نفور من قبل الطفل وعقليته لتلقي كل ما هو مفيد في تلك الحكاية.
أسلوب المجاراة والركض قرب حدود الخيال
الطفل بحاجة دائماً لما أطلق عليه أسلوب المجاراة، مجاراة عقل الطفل وخياله، فكاتب القصة وفنان اللوحة الموجهة للطفل يجب – من كل بد – أن يكون أكثر المثقفين سعة اطلاع وثقافة وفهماً للحياة، وعليه أن يكون عالماً ورياضياً وباحثاً وفلكياً ومهرجاً، وكل ما يمكن أن تتضمنه حكاية الطفل من مشارب.
ولا مبالغة هنا في كلامي، فالمطلوب واضح للعيان: أن يكون ملماً ببحث قصته ولوحته، ومدركاً لما سيتم الغوص فيه.
ذهنية الطفل بكر خام ينبع منها آلاف الأسئلة العظيمة في كل دقيقة، ويتأتى منها ألف خيال مجنح وخيال، ولكي تقدر على مجاراة هذه البيئة الخام التي تريد التصدي لمفرداتها، عليك أن تتقن
فن الرقص مع الخيال، وفن مداعبة الريح الوردية في مخيلة الطفل، وروح الأسطورة المعتقة، ونبض الحكاية الشعبية الأصيل، ثم تضيف لكل هذا ثقافتك وعلومك وبحثك الحثيث عن الأفضل.
وحين يتم لك التمكن من هذه الأدوات، أشرع قماش مخيلتك للريح، ثم أبحر بكلماتك اللامباشرة عن الموضوع، وأحضر مفرداتك البصرية من رسوم ومخلوقات وتعابير ملونة، لتقول للطفل: أنا هنا أريد خوض التحدي مع مخيلتك الجميلة، ولنبدأ في الحوار!
الأمير السوري الصغير
دائماً، وأبداً، اختم أي حوار أو نقاش أو مقال بعبارة “إن السادة السوريين الصغار يستحقون منا – نحن المشتغلين بأدب الطفل وفنه – كل المحبة والخير، وكل التعب والتفاني، في سبيل إيجاد منظومة ثقافية نبيلة تليق بمستقبله”.
فكرة مشروع “الأمير السوري الصغير” و”أميرته السورية الصغيرة” أن يكون في المراكز الثقافية كوات أمل يطل منها كتاب القصص الطفولية ورساموها على أطفال منطقتهم ومدينتهم، من خلال ورش عمل مفتوحة دائمة ودورية، يتعلمون منهم مفردات الخيال، ويعلمونهم مفردات الكلمات الفصيحة والجمال في اللوحات. وسيخرّج كل منبر ومركز ثقافي، في كل ورشة، 10 كتيبات وقصص، وستخلق تلك الحال روح المنافسات، وسيتم تبني الإنتاجات عبر دور النشر والوزارات المعنية، فيصبح لنا كتب جديدة تجاري كتب التربية، ومجلات يصنعها الأطفال وأدباؤهم وفنانوهم تجاري بخطواتها مجلات الثقافة والتربية والإعلام، وسيكون لنا سوق تنافسية خام تشبه نهضة مجلات “المانغا” اليابانية التي غزت العالم بالمنتج الياباني الفني والأدبي الخاص بهم.
كما سيكون لنا، في كل بيت وحارة وقرية، أمير سوري صغير يسعى ليعمر كوكبه الصغير بالحب والنبل، ويرعى أميرته السورية الصغيرة، ووردتها الجورية، بكل ما سنربيه عليه من قيم وحب وجمال، كي نحصنه من الفكر الغريب الوافد من خارج حدود الأخلاق السورية.