الاقتصاد الصيني.. الأقوى عالمياً
هيفاء علي
تجاوزت الصين الآن الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، بعدما أظهر تقرير صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد الصيني أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة بستة أضعاف.
فقد قدم صندوق النقد الدولي مؤخراً تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2020، حيث قدم نظرة عامة عن الاقتصاد العالمي والتحديات المقبلة، والحقيقة الأكثر إحراجاً بشأن التقرير هي ما لا يريد الأمريكيون سماعه حتى أثناء قراءته: “لقد حلّت الصين الآن محل الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم بـ 24.2 تريليون دولار مقابل 20.8 تريليون دولار”، وعلى الرغم من هذا التصريح الواضح، إلا أن معظم وسائل الإعلام الرئيسية، باستثناء “الايكونوميست”، تواصل الحديث عن أن الاقتصاد الأمريكي هو الأول.
من المتعارف عليه أن خبراء الاقتصاد يستخدمون مقياساً يسمى “سعر صرف السوق” لحساب الناتج المحلي الإجمالي، ويعتبر الاقتصاد الأمريكي هو المعيار، ما يعكس حقيقة أنه عندما تم تطوير هذه الطريقة في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، شكّلت الولايات المتحدة ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبالنسبة لاقتصاديات البلدان الأخرى، تجمع هذه الطريقة جميع السلع والخدمات التي ينتجها اقتصادها بعملتها الخاصة، ثم تقوم بتحويل هذا الإجمالي إلى الدولار الأمريكي “بسعر صرف السوق” الحالي.
بحلول عام 2021، من المتوقع أن تصل قيمة جميع السلع والخدمات المنتجة في الصين إلى 102 تريليون يوان، وبتحويله إلى الدولار الأمريكي بسعر السوق البالغ 7 يوانات للدولار، سيكون الناتج المحلي الإجمالي للصين 14.6 تريليون دولار مقابل الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة البالغ 20.8 تريليون دولار.
ولكن، تفترض هذه المقارنة أن 7 يوانات تشتري الكمية نفسها من البضائع في الصين مثل دولار واحد في الولايات المتحدة، ولتسهيل فهم هذه النقطة، وضعت مجلة الايكونوميست مؤشر “Big Mac”، حيث يمكن للمستهلك الصيني شراء “Big Mac” كامل في بكين مقابل 21 يواناً، وإذا قام بتحويل هذه اليوان بسعر الصرف الحالي فسيحصل على 3 دولارات التي لن تشتري سوى نصف “Big Mac” في الولايات المتحدة، بمعنى أنه يمكن شراء معظم المنتجات من البرغر والهواتف الذكية إلى الصواريخ والقواعد البحرية، ويحصل الصينيون على ضعف ما يحصلون عليه مقابل كل دولار.
على مدى العقد الماضي، طورت وكالة المخابرات المركزية وصندوق النقد الدولي معياراً أكثر ملاءمة لمقارنة الاقتصاديات الوطنية، يسمى PPP (تعادل القوة الشرائية)، كما يوضح تقرير صندوق النقد الدولي، وإن تعادل القوة الشرائية يزيل الفروق في مستويات الأسعار بين الاقتصاديات، وبالتالي يقارن الاقتصاديات الوطنية من حيث المقدار الذي يمكن لكل دولة أن تشتريه بعملتها الخاصة، بالأسعار التي تبيعها العناصر هناك، بينما يُظهر سعر صرف السوق مقدار ما سيحصل عليه الصينيون بالأسعار الأمريكية، وهذا يوضح تعادل القوة الشرائية بمقدار ما يحصل عليه الصينيون بالأسعار الصينية.
وبالتالي، إذا قام الصينيون بتحويل اليوان إلى دولارات، واشتروا “Big Mac” في الولايات المتحدة وأخذوا ذلك إلى الوطن على متن الطائرة إلى الصين للاستهلاك، فسيكون من المناسب مقارنة الاقتصاديات الصينية والأمريكية باستخدام معيار سعر صرف السوق.
توضح وكالة المخابرات المركزية قرارها بالانتقال من سعر الصرف السوقي إلى تعادل القوة الشرائية في تقييمها السنوي للاقتصادات الوطنية- والمتاح عبر الأنترنت في كتاب حقائق وكالة المخابرات المركزية- أن الناتج المحلي الإجمالي بسعر الصرف الرسمي يقلل بشكل كبير من تقديره المستوى الحقيقي لإنتاج الصين مقارنة ببقية العالم، وبالتالي، تعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص أفضل نقطة انطلاق متاحة لمقارنة القوة الاقتصادية، والرفاهية بين الاقتصادات، ويضيف صندوق النقد الدولي كذلك بأن معدلات السوق أكثر تقلباً، ويمكن أن يؤدي استخدامها إلى تقلبات كبيرة في مقاييس النمو الإجمالية، حتى عندما تكون معدلات النمو في كل دولة مستقرة.
باختصار، إذا كان المعيار الذي اعتاد عليه معظم الأمريكيين لايزال يُظهر أن الاقتصاد الصيني أصغر بمقدار الثلث من اقتصاد الولايات المتحدة، عندها يدرك المرء أن الاقتصاد الصيني الآن أكبر من الاقتصاد الأمريكي، ولكن في عالم الاقتصاد، فإن الناتج المحلي الإجمالي للدولة هو الأساس الذي تقوم عليه قوتها العالمية.
في الجيل الأخير، عندما أنشأت الصين أكبر اقتصاد في العالم، حلّت محل الولايات المتحدة كشريك تجاري رئيسي لكل دولة كبرى تقريباً، لقد أصبحت ورشة التصنيع في العالم، بما في ذلك أقنعة الوجه، وغيرها من معدات الحماية، كما تجلى ذلك في أزمة فيروس كورونا الحالية، وبفضل النمو المزدوج في ميزانيتها الدفاعية، حوّلت قواتها العسكرية تدريجياً إلى القوة الأولى في النزاعات الإقليمية المحتملة، لاسيما في تايوان، وفي هذا العام، ستتفوق الصين على الولايات المتحدة من حيث الإنفاق على البحث والتطوير، ما يقود الولايات المتحدة إلى “نقطة تحوّل في البحث والتطوير”، والقدرة التنافسية المستقبلية.
ولكي ترقى الولايات المتحدة إلى مستوى التحدي المتمثّل بالصين، يجب على الأمريكيين الاعتراف بحقيقة أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة في السباق لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، علاوة على ذلك، في عام 2021، ستكون الصين الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي يتمتع بنمو إيجابي، أي الاقتصاد الوحيد الذي سيكون أكبر في نهاية العام مما كان عليه في بدايته، وليس من الصعب التكهن بعواقب ذلك على الأمن الأمريكي، حيث سيشجع النمو الاقتصادي المتباين لاعباً جيوسياسياً حازماً بشكل متزايد على المسرح العالمي.