دراساتصحيفة البعث

الانتخابات الأمريكية وتأثيرها في سوق الأسهم

ريا خوري

مما لا شك فيه أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستحوّل انتباه المستثمرين إلى مجريات الأمور على الساحة السياسية الأمريكية في الفترة التي تمهّد للانتخابات في شهر تشرين الثاني المقبل، وإلى كيفية تأثير النتائج على اختلافها في أداء أسواق الأسهم الأمريكية.

وهذه ليست المرة الأولى، فعلى مرّ التاريخ كانت البيانات والأرقام في سوق الأسهم الأمريكية والعالمية تتعرّض دائماً إلى تقلّب، وغالباً ما تميل للارتفاع خلال الأشهر التي تسبق الانتخابات، والسبب يعود إلى حالة عدم الاستقرار السياسي واضطرابات توقعات الأسواق. عادةً يفضّل أعضاء الحزب الجمهوري السياسات التي تزيد من أرباح الشركات والتكتلات التجارية والكارتيلات ومجمعات الصناعات الحربية، إضافة إلى أرباح المساهمين. أما المرشحون عن الديمقراطي، ومنهم جو بايدن، فلهم تأثير معاكس في أسعار أسهم الأسواق العالمية، حيث يركز أعضاء الحزب الديمقراطي على إعادة توزيع الثروة، والحقوق والمنافع الاجتماعية العامة.

في العادة غالباً ما تحقّق الأسواق أداء أفضل عند بقاء الرئيس في منصبه لدورة ثانية، ويعود الأمر في ذلك من جديد إلى المزيد من الصراحة والشفافية والوضوح. لكن من الممكن أن يكون للتحوّل من حكومة ديمقراطية إلى حكومة جمهورية وبالعكس تأثير سلبي في أسعار الأسهم، وذلك لأن كل المستثمرين يأخذون بعين الاعتبار التغييرات غير المناسبة للأعمال، على غرار التنظيمات الأكثر اتزاناً وقوة وصلابة، والضرائب المرتفعة على الشركات.. إلخ. غير أنه في هذه المرة الأوضاع مختلفة بشكل كبير وواضح، فالاقتصاد الأمريكي يواجه ركوداً وكساداً تجارياً غير مسبوق بسبب جائحة كوفيد 19 (كورونا) التي اجتاحت العالم بأكمله. هذه الجائحة أضرّت بالأعمال على جميع المستويات، وقد تمّ توجيه انتقادات حادة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسوء إدارته لأزمة الصحة العامة التي جعلت من أمريكا البلد الأكثر تأثراً بالجائحة في العالم، وخاصة مع وجود دين حكومي يرتفع بسرعة جنونية/ ويزيد عليه وجود نحو خمسة عشر مليوناً من العاطلين عن العمل.

في الواقع هذا لا يعبّر عن حقيقة أساسيات الاقتصاد الواقعي التي تتناقض بشكل صريح مع ما يجري على أرض الواقع، فسوق الأسهم والاقتصاد يعدّان مؤشرين مهمّين وأساسيين لمن يفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكلاهما يشيران إلى أن تفادي الركود في السنتين اللتين تسبقان الانتخابات هو مؤشر مهمّ وأساسي لإعادة الانتخاب. ولو عدنا قليلاً إلى القرن الماضي سنجد أنه تمّت إعادة انتخاب الرؤساء الأمريكيين الذين نجحوا في تفادي الركود الاقتصادي خلال فترة هاتين السنتين. كما أن الأداء الجيد والإيجابي في مؤشر (ستاندرز أند بورز 500) كان مترافقاً ومتوافقاً بنسبة كبيرة وصلت إلى 87% مع نتائج الانتخابات الرئاسية منذ عام 1928، ووصلت إلى 100% منذ عام 1948. مع العلم أن أداء سوق الأسهم في الماضي كان متماشياً نوعاً ما مع الوضع الاقتصادي والتجاري، ومن الواضح تماماً أن الوضع مختلف هذا العام، فقد طالب  ترامب باستمرار تخفيف ضخ حزم التحفيز النقدية والمالية، وكانت تلك السياسة السبب الرئيسي لتحقيق أرقام قياسية في أسهم الأسواق الأمريكية، حيث تمّ إزالة القيود السياسية النقدية التي يعتمدها البنك الفيدرالي بعد أن قام بضخ كميات هائلة من السيولة في الأسواق المالية مما أدّى إلى أسرع تعافي في أسعار الأسهم.

وإذا نظرنا إلى وضع الاقتصاد والتجارة بشكل واقعي نجد أن ترامب في وضع صعب لأنه أضحى ضحية الركود، ومما لا شك فيه أن انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2020 ستسلّط الأضواء على: ما الذي يهمّ الناخبين الأمريكيين أكثر، هل سيكون الاقتصاد الحقيقي، أم أداء سوق الأسهم؟.

لقد أفادت آخر استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية أن تقدّم المرشح الديمقراطي جو بايدن قد تراجع بحدة منذ شهر حزيران، مع أن هذه الاستطلاعات أظهرت أن بايدن قد تفوّق على دونالد ترامب بنسبة عشرة بالمئة في شهر حزيران، لكن الأسهم الأمريكية لا تشهد أي توتر بفعل تفوق جو بايدن، لأن المستثمرين على قناعة تامة بأن جائحة كورونا ستحمي بطريقة ما أرباحهم ومكاسبهم حتى ولو جاءت حكومة ديمقراطية.