العنف ضد الأطفال..ارتفاع عدد الحالات وتغييب مجتمعي لقانون الحماية!
تعرّض الطفل السوري خلال سنوات الحرب للعديد من الظروف المأساوية التي سلبت منه طفولته، ودفعته للاتجاه نحو آفاق مظلمة، حيث لا مستقبل ينتظره. كما ساهمت الظروف الاقتصادية المتردية في حرمانه من حقوقه كطفل، وهنا لن نتحدث عن اللعب والنشاط بل عن شعوره بالأمان واستقرار عائلته ورعاية أبويه التي فقدها نتيجة الحرب القاسية، “وما أكثر الأيتام في بلدي!”.
ولعلّ أقسى أنواع المعاناة ما يتلقاه الطفل من عنف داخل حاضنته، هذا ما أصبحنا نسمعه بشكل مستمر في الآونة الأخيرة رغم تطبيقنا لقانون حماية الطفل الذي ينصّ على أنه يُمنح بالتشريع وغيره من الوسائل الفرص والتسهيلات اللازمة لإتاحة نموه الجسدي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نمواً طبيعياً سليماً في جو من الحرية والكرامة، ولكي ينعم بشخصية منسجمة النمو مكتملة التفتّح يحتاج إلى الحب والتفهم، لذلك يجب أن ينشأ إلى أبعد مدى ممكن برعاية والديه وفي ظل مسؤولياتهما، وفي أجواء الحنان والأمن المعنوي والمادي، كما أن للطفل حقاً في تلقي التعليم وأن يكون في جميع الظروف بين أوائل المتمتّعين بالإغاثة والحماية من جميع صور الإهمال والقسوة والاستغلال والإتجار به.
نظرة اجتماعية
الطفل ليس بعيداً عما يحدث في البلد من أزمات مختلفة، كان أهمها التهجير وفقدان أحد الوالدين نتيجة السفر أو الموت، فقد تسبّب ذلك بحرمانه من رعاية أبويه والعيش في ظل أسرته، حيث أوضحت الاختصاصية النفسية والاجتماعية رهادة عبدوش تأثير جميع تلك الظروف على واقع حياة الأطفال ليتحوّلوا بذلك إلى ضحايا عنف الأسرة والمجتمع، وحالياً تلعب الضائقة الاقتصادية دوراً سلبياً يزيد الطين بلّة، فقد ازدادت قضايا العنف ضد الأطفال، ويمكننا القول إنها كانت موجودة سابقاً، لكن لم يُسلّط الضوء عليها بالشكل المطلوب، حيث تعدّ الجرائم المسكوت عنها في العنف ضد الأطفال الأكثر خطورة لأنها تبرّر هذا الجرم وتشرّعه، بل يتقبله المجتمع بحجة العرف والتقاليد والعلاقات السائدة في المجتمع، واعتبار أن الأب والأم يملكان صلاحية التعدي على أبنائهما. ومن هنا لا يتمّ الإبلاغ عن العنف الذي يمارس على الأطفال وتبريره بحجة التماهي مع المفهوم السائد، وتحوّل الأمر إلى حالة طبيعية لا يوجد فيها أي خلل، ويعود ذلك إلى قلّة الوعي بين الناس فيما يتعلق بحقوق الطفل!.
نظرة قانونية
لا بدّ لنا من التحدث عن الناحية القانونية وأنظمة حقوق الطفل ومدى تقبل المجتمع لها والقدرة على تطبيقها ضمن مناخ تحقيق الحقوق العامة في المجتمع ككل. الاختصاصية النفسية والاجتماعية سماح القادري توضح لنا ارتباط حماية الإنسان بحماية حقوق الطفل، فهي مرحلة من مراحل حياته، كما يعدّ تحقيق حقوق الطفل مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالمناخ السائد في المجتمع، ولا يعقل أن يكون المجتمع خاضعاً لأفكار بالية وقديمة ويطبق هذا القانون، لأن الوضعية القانونية لأي مجتمع مرتبطة بعاداته وتقاليده ودرجة نموه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي. بالنسبة للقوانين السورية لا يوجد فيها مادة صريحة تجهر بالتمييز بين الأطفال على أساس الجنس أو الدين أو العرق، كما لا تحتوي إلا مادة واحدة في قانون العقوبات تعاقب على إهمال الطفل من قبل أهله، لذلك يجب تعديلها وإلغاء الكثير من القوانين التي تعتمد على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع بالقضايا الأسرية.
كما توجد فقرات قانونية تحمل في مضمونها منطقاً تمييزياً، فقانون الأحوال الشخصية كان قد عرّف القاصر وحدّد سن الرشد بعمر 18 عاماً، وبالتالي اكتساب الأهلية يكون بعد هذا التاريخ. وتضيف القادري: لابد من حماية الأطفال عبر حملات التوعية من خلال الراديو والتلفزيون والجمعيات الأهلية وتقديم الدعم الإنساني لجميع الأطفال المعنفين، وتطبيق بنود اتفاقية حقوق الطفل حرفياً وهي التي صادقت عليها سورية منذ أوائل التسعينات.
جهة رسمية
ثقافة الشكوى في مجتمعنا غائبة بشكل كبير عن مفاهيم حقوقنا وواجباتنا، وغالباً ما يتمّ تجاهل العديد من مظاهر العنف ضد الأطفال باعتباره نوعاً من صلاحية تربية الأبناء. مديرة القضايا الأسرية في الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان رنا الحليفاوي قالت بهذا الخصوص: نعمل على استقبال النساء والأطفال الذين تعرضوا للعنف وتقديم جميع الخدمات اللازمة لهم، الطبية والنفسية والقانونية، وذلك عبر الاستعانة بالمستشارين النفسيين والمحامين لمرافقتهم إلى المحكمة بعد أن يتمّ تحويلهم من القاضي إلى الإيداع بوحدة الحماية، كما نعمل على التمكين المهني وعودة الأطفال المعنّفين إلى مدارسهم، وتعتبر الهيئة هي الجهة الرسمية الوحيدة المعنية بهذه القضايا. أما على المستوى الاستراتيجي والدراسات فتقوم الهيئة بوضع دراسة حول العنف ضد الأطفال، انتشاره وأسبابه، على أن تكون شاملة لكل محافظات القطر من أجل الخروج بالإجراءات والخطط المناسبة للتقليل من ظاهرة العنف وخاصة ضد الأطفال، وإيجاد طرق مناسبة لخلق استجابات سريعة لهذه القضايا، هذا إضافة إلى الخطط الجديدة لحماية الطفولة والتي تتناول محاور جديدة مرتبطة بالصحة والتعليم خلال خطة زمنية محدّدة.
أنظمة رادعة
تعمل الهيئة السورية لشؤون الأسرة على إيجاد الصيغة المناسبة لتوفير البيئة المناسبة لحماية الطفل من العنف عن طريق القانون، لذلك تسعى للربط والتشبيك مع جميع الجهات المعنية والجمعيات الأهلية والوطنية لرصد واقع الطفل. وبحسب الحليفاوي ستقوم الهيئة قريباً بالكشف عن الخطوات الأولى في هذا الإطار، وخاصة ما يتعلق بنشر الوعي حول قانون حماية الطفل. ويمكن القول إن قانون الطفل جاهز بشكل تقريبي للعرض بعد التعاون والجهود المبذولة من الهيئة والشركاء في إيجاد بدائل للعقوبات التي لم تعد رادعة لهؤلاء الذين يمارسون العنف على أبنائهم أو غيرهم من الأطفال، والتخلّص من الحلول غير المفيدة كالتراضي بين الأطراف والتعهد غير المجدي لهذه الحالات كفرض غرامات مالية عالية أو حكم بالسجن، والكشف عن حالات العنف الناتجة عن عدم قدرة الأهل على تربية أبنائهم نتيجة إصابتهم بأمراض نفسية أو حالات إدمان، إضافة إلى حملات التوعية الموجهة للأسرة والأبوين.
ميادة حسن