هل نستدرك ونعقل..؟!
قسيم دحدل
الكثيرُ من الإصلاح الإداري والاقتصادي، قد يصدم ولو بـ “القليل” من المحبط والمجهض، فيكون للأخير الغلبة في إفشال الكثير، كما نقطة الحبر السوداء التي تُلقى في “برميل” من الماء الزلال، فتحيله سواداً أو على الأقل تعكره!
وللأسف الشديد جداً، نجد أن هناك استمراءً واعتياداً، لم يتغيّرا، في العقلية – الدنيا – المعنية بترجمة التوجهات والتوجيهات العليا لمفردات ومفاهيم الإصلاح، بعموم عناوينه وجبهاته وإمكانه، حيث تتجسّد النماذج العديدة الدالة على كيفية وآلية الإحباط والإجهاض.
أن نعتاد الخطأ والمخالفة والفساد، ليكون أمراً طبيعياً ومألوفاً، فإن هذا يعني أننا – بقصد أو دون قصد – هيأنا الأرضية الخصبة والمحفّزة لكل ما هو خطر على بنية وكيان الدولة والمجتمع والعلاقات التي تحكمهما، سواء أكانت اقتصادية أم إدارية أو مالية أو اجتماعية.
من صميم الوقائع القائمة نستشهد “قانونياً”، أي في القوانين الاقتصادية والاستثمارية والرقابية، وغيرها، لتطالعنا أمثلة بائنة للعيان ومسموعة للآذان، تشير بالبنان الصريح إلى مواطن الإجهاض لتلك القوانين. فمثلاً لا حصراً، حين نعمل مُتقصِّدين على تَضَّمينْ بعض القوانين استثناءات مشبوهة، نكون قد ضربنا فقه القانون وروحه وأهدافه، وعندما نجعل من مادة محورية رئيسية في قانون حماية المستهلك (مثلاً: مادة عدم استجرار المخالفة..)، نكون قد منعنا عناصر الرقابة من الرقابة الفاعلة والحقيقية، وفي الآن معاً أجهضنا “الحماية” خاصة وقانونها عامة، لأننا بتلك المادة أفرغنا الاثنين من أس الأهداف اللذين وضعا من أجلها، فماذا نكون قد شرَّعنا؟!
وظيفياً، عندما تمارس إدارة، أو جهة ما، ضغوطاً على مدير كفؤ ناجحٍ، كي ينهج نهجاً فاسداً كرمى مآربها، ويؤدي ذلك لتقديم المدير طلب إعفائه من منصبه، والإتيان بـ “المناسب”، فماذا نكون قد فعلنا؟!
وعندما يصل الحدّ بوزير لتهميش قامة علمية واستثمارية، تاريخها وأعمالها تشهد لها، تمّت محاربتها والكيد لها، واتهامها بما ليس فيها، ليتبيّن بعد استبعادها، وبحكم من المحكمة الإدارية العليا، براءتها مما ألصق بها، وحتى حين كُشفت وعُرِّيت الحقائق، ليظهر أن تلك الكفاءة استطاعت وبزمن قياسي تحويل قطاع من الفشل والخسارة إلى النجاح والريادة والربح الوفير، ويتمّ إعادتها للعمل بقرار حكومي، نجد أن ذاك الوزير يَعمدُ ويُصرُّ على الحطّ من قدرها بإصدار قرار إعادتها للعمل كموظف بسيط في إحدى المديريات التي لا عمل لها، فماذا نكون قد ارتكبنا؟!
كذلك عندما يتدخل شخص نافذ، لأجل نقل فاسدٍ من شركة إلى شركة، وتحديد ما يجب أن يَتَسَلَّمه ويشغله من منصب (مدير مالي)، ويعتذر الوزير، لأن “رائحة فساده” قد ينوبهم شيء منها، فمن نكون قد أُوصلنا وصنعنا؟!.
“و..واءاتٌ” لا تُعَدّ ولا تُحْصىَ، ولا نجد من يتابعها ويعمل على قطع دابر آثارها وقبلها مُدبرها، بالشكل والمضمون اللذين تستحقهما مخاطرها من اهتمام خاص، وصلت ذروتها في العديد من مفاصل جهاتنا، والخوف كل الخوف أن تصبح أكثر من عادية، بل ونهجاً قد يتطوّر من عرف ليصبح “قانوناً”!!
فهل نستدرك.. ونَعْقِل؟