نظرية الرئيس الأسد
هيفاء علي
“نظرية الرئيس بشار الأسد”، عنوان مقال للكاتب والباحث الفرنسي “برونو غيغ” الباحث في الفلسفة السياسية ومحلّل في السياسة الفرنسية، يتطرّق فيه إلى الأزمة في سورية بعد عشر سنوات على اندلاعها، ودور الجوقة الغربية وأدواتها وأتباعها في الإتيان بالإرهابيين والمرتزقة من كل أرجاء العالم إلى سورية، وتقديم كافة ألوان الدعم لهم في محاولة يائسة لتغيير نظام الحكم وإسقاط الدولة السورية.
يقول في البداية: امتدت الحرب التي دارت في سورية منذ عشر سنوات، وسوف تسجّل الحكومات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والتركية والسعودية والقطرية في التاريخ ما هي عليه: جلادو الشعب السوري، الذي لم يفعل شيئاً لهم. بدّدت المأساة السورية ادعاءاتهم، وكشفت النقاب عن استراتيجياتهم الخبيثة، ولكن أسوأ ما في الأمر هو محاولتهم تبييض الإرهاب في المحافل الدولية.
ويتابع: كيف يمكن أن نقاوم الغثيان في مواجهة لزوجة هؤلاء السياسيين الذين، مع كل هجوم على الأراضي الفرنسية، ينشرون إدانات غاضبة للعنف الإرهابي الذي أشعلوه وأشادوا به في أماكن أخرى؟ سوف نتذكّر أنه منذ وقت ليس ببعيد، استخدمت وسائل الإعلام الغربية جدليتها الزائفة لجعل الفرع السوري من تنظيم “القاعدة” منظمة قتالية محترمة. قيل لنا إن جبهة “النصرة”، كما أطلقت على نفسها، سوف ينتهي بها الأمر بتجميلها في النهاية. وقال فرانسوا بورغات على قناة عامة إنه سيكون من الضروري التفاوض نهائياً مع هذه المنظمة التي تهدف إلى أن تكون جزءاً من “مستقبل سورية”!.
وماذا عن انتمائها إلى “القاعدة” وأيديولوجيتها التكفيرية وهجماتها البربرية ضد المدنيين؟ هذه هي الطريقة التي عملت بها الدبلوماسية الغربية العجائب. من قبعة الساحر، أخرجت إرهابيين معتدلين، ومتطرفين ديمقراطيين إنسانيين، وآكلي كبد محسنين.
إن عملية تبييض فرع تنظيم “القاعدة” السوري، حدثت في وقت كان هذا التنظيم يرسخ هيمنته السياسية والعسكرية في شمال سورية. وقد قدّر لها أن تلعب دوراً رئيسياً في أعقاب الانهيار المتوقع للدولة السورية، بدعم وتأييد القوى الغربية والإقليمية العازمة على إسقاط آخر دولة علمانية وتقدمية في الشرق الأوسط، مهما كانت التكلفة البشرية والثمن السياسي لهذه الموافقة المبكرة على إقامة سلطة طائفية ومافيا في سورية.
كانت جزءاً من الخطة، فقد أُعيد تصميم الإرهاب من أجل القضية، ولا يزال يقدّم خدمات غير متوقعة للتحالف الواسع ضد سيادة سورية. إن تواطؤ الدول الغربية والأنظمة الملكية النفطية مع فرع “القاعدة” يشير إلى إعادة إدراج الإرهاب التكفيري المتزامن في جدول الأعمال الإستراتيجي الغربي الرامي إلى تدمير الدولة السورية، الهدف الأول لمحور واشنطن- الرياض- باريس- لندن- أنقرة- الدوحة، المدعوم من “تل أبيب” وراء الكواليس، كان هذا الهدف غاية برّرتها كل الوسائل!.
ولإنجاحها، اتّحدت القوى الأجنبية ضد آخر نظام قومي عربي بتقسيم الأدوار بسخرية. وهكذا يمكن لقتلة “القاعدة” في قتالهم القاسي ضد سورية الاعتماد على أصدقائهم الأعزاء: فقد سلمتهم تركيا السلاح، وعالجت “إسرائيل” جرحاهم، ودفعت لهم قطر شيكاً في نهاية الشهر، وصحيفة “لوموند” اعتبرتهم أولاد المذبح. من يتذكّر أنه في عام 2014، عندما استولت جبهة “النصرة” على قرية معلولا المسيحية، تجرأت هذه اليومية على نفي قتل المتطرفين لأي مدني، كما قامت الـ”بي بي سي” في الوقت نفسه برثاء الجنازات الدينية لضحايا هذا العدوان.
كان هذا هو الوقت الذي امتنع فيه ما يُسمّى بـ”التحالف الدولي”، أثناء هجوم “داعش” على تدمر، عن إطلاق أي طلقة، وقد قدّم هذا السلوك الآمن للإرهابيين دليلاً على الازدواجية الكاملة في مكافحة الإرهاب المعلنة في واشنطن وباريس. مع اندفاع تنظيم “داعش” الزائف على محور تدمر دمشق، وجبهة “النصرة” على محور حلب دمشق بدا حلم أعداء قد تحقّق، لكن ذلك لم يحسب لمقاومة الشعب السوري وولائه لجيشه البطل. كان من المفترض أن تكلف التعبئة العامة للقوات التكفيرية دول الخليج مليار دولار سنوياً، لم تكن هذه الثروة المفاجئة، المرسلة إلى المنظمات الإرهابية عبر وكالة المخابرات المركزية كافية لإحداث سقوط دمشق. ولكن يبدو أن تحالف المؤامرة لم يأخذ في الاعتبار قدرة الحكومة السورية على تشكيل التحالفات اللازمة مع شركاء موثوقين. ومن أجل تخفيف احتضان رعاة الإرهاب القاتل، حصلت دمشق على دعم كبير من طهران وموسكو وبكين.
في الواقع، لم تكن هناك أبداً حرب أهلية في سورية، بل بدأت من قبل القوى الإمبريالية، هذه الحرب منذ البداية صراع دولي واسع النطاق تشكّل فيه تحالف لهزيمة التحالف المعارض. في مسرح العمليات، حتى اليوم، القوات الوحيدة الموجودة هي العصابات التكفيرية المسلحة المدعومة بقليل من القوات الخاصة الغربية المتنقلة، من جهة، والقوات العسكرية التابعة للدولة السورية مدعومة بحلفائها الروس والإيرانيين واللبنانيين من جهة أخرى.
في مواجهة هذه الملاحظة، كل ما تبقى هو مجرد أدب. إن الفرق بين المتمردين “الديموقراطيين” و”المعتدلين” و”العلمانيين” و”الإسلاميين” و”الجهاديين” هي حماقات لا اسم لها، وأثرها الوحيد هو إلقاء غطاء متواضع على سديم إرهابي نيّته واضحة تماماً، تفرض بالقوة قوة طائفية ومتعاونة مع الإمبريالية. لو كانت القوى الغربية والإقليمية التي أشعلت النيران تؤمن بما يسمّى بالمتمردين المعتدلين، لما قاموا بتبييض جبهة “النصرة”، التي تمّ اعتمادها في مطلع عام 2014 كخليفة محتمل للنظام ليتمّ هزيمته، بينما تمتنع عن محاربة “داعش” عندما واجه هذا التنظيم الجيش السوري.
حتى اليوم، ينتمي آلاف الإرهابيين، الذين يسيطرون على جيب إدلب، إلى أحدث صورة شخصية لتنظيم “القاعدة”، وهي “هيئة تحرير الشام”، التي تعمل بإمرة التركي. لطالما عزت المطابع الدعائية إلى حكاية حرب أهلية، لكن الجميع أدرك أن واقع الصراع السوري، على مدى العقد الماضي، كان صراعاً بين تكتل إرهابي مدعوم وجيش وطني يدافع عن بلاده ضد الغزو الأجنبي.
ويختم الكاتب: منذ عام 2011، رحّبت وكالة المخابرات المركزية بالتدفق المستمر من المرتزقة، المتحمسين لخوض معركة مع “الكفار والمرتدين” إلى سورية. كان لهذا الحقن الهائل من التعصب القاتل أثر في إطالة أمد حرب لا تنتهي أبداً. لكنه انتشر أيضاً في أركان الكرة الأرضية الأربعة، وضرب في كل مكان. لقد حذّر الرئيس السوري بشار الأسد الأوروبيين من أن ازدواجيتهم ستنقلب عليهم في النهاية، لكن الجهل بهذه النظرية لا يتوقف أبداً عن تقديم الإضافة.