مخطئ من يظن أنها خسائر أسر أو منطقة!!
لا جدال في صحة الاستنتاج، من أن أغلب الحرائق العديدة، التي حدثت في عشرات الأمكنة من الريف الغربي لمحافظتي حمص وحماه، وجبال محافظتي طرطوس واللاذقية، هي حرائق متعمدة، أشعلتها أيد مخربة، على غرار حرقها السابق لمواسم الحبوب في المحافظات الشرقية ومنطقة الغاب، وهي بذلك تمارس الدور الرديف الداعم للأيدي المجرمة التي تحمل السلاح في وجه الجيش العربي السوري، هذه الأيدي العميلة لأعداء بلدنا التاريخيين من صهاينة وسلاجقة ومن لف لفهم، عجزت عن مواجهة جنودنا الأشاوس في جبهات القتال، فالتفتت لتمارس الدور الغادر التخريبي في أكثر من طريقة، ما يجعل من الإجحاف الكبير أن يعمد أي مسؤول أو أيا كان لتجاهل الأعمال التخريبية المتعمدة، وتحميل المواطنين المحليين أسباب هذه الحرائق، واتهامهم بما هم ليسوا فيه.
مع الإقرار بأن بعض الأهالي يتحملون بعض المسؤولية بسبب ضعف تعاونهم لفتح العديد من الطرق الزراعية، وإهمال حراثة حقولهم وتنظيفها من الأعشاب البرية، التي ساعدت إثر يباسها في انتشار نار المخربين وزيادة حجم ضررها، هذا الإهمال الذي كان من المتوجب اجتنابه ذاتياً، وبتوجيه ومتابعة من مديريات الزراعة والروابط الفلاحية ووحدات الإدارة المحلية، ومن المؤسف أن هذا الإهمال تركَّز عند أصحاب الحيازات الصغيرة المهملة لقلة إنتاجها، وعند أصحاب الحيازات المقيمين في المدن، بعيدين عنها.
ويبقى من غير الجائز أن يتجاهل أيٌ كان الخطأ الأكبر الناجم عن قصور وتقصير وإهمال بعض المسؤولين المحليين والمركزيين في اتخاذ الكثير من الإجراءات الوقائية الواجبة، والتي لو تمت في حينها لخففت كثيراً من انتشار الحرائق والمساعدة العاجلة في سرعة إخمادها، أكان ذلك ممثلاً بقلة الطرق الزراعية التي تمكن آليات الإطفاء من الوصول إلى الأراضي الحراجية والزراعية، وإهمال متابعة الإلزام بتنظيف جوانب الطرق العامة والفرعية من الحشائش والأعشاب، ما مكّن المخربين من إشعال النار فيها بكل سهولة، وترافق ذلك بقلة وجود بعض المعدات والتجهيزات اللازمة للإطفاء في العديد من المناطق قياسا بحجم الحرائق الكبير، وقلة – أو ضعف جدوى – الخطط الموضوعة للمسارعة في الحد من انتشار هذه الحرائق عند حدوثها، ما جعل مشاركة الجهات الرسمية في إطفاء الحرائق أبطأ من السرعة المطلوبة، وبإمكانات أقل من الواجبة التوفر، مع التقدير الكبير لجميع الجهود التي تمت والتي ظهر أنها فاقت الطاقات الموجودة، نتيجة تواجد عشرات الجهات وعشرات المسؤولين ليلا نهارا في الميدان، بالتوازي مع المشاركة الميمونة اليدوية من الأهالي، والتي كانت أقرب ما تكون إلى الهبة الشعبية الذاتية، دون سابق تخطيط محلي لها، وكان لجنودنا البواسل والمؤازرة التي قدمت من المحافظات الأخرى، دور وطني رائد.
مدعاة للسرور الكبير أن القيادة أدركت وجوب العمل السريع، رسمياً وشعبياً، لتدارك أوضاع القرى والأسر المتضررة، وتحديدا تلك التي تعتمد كلياً أو شبه كلي على الإنتاج الزراعي والحيواني الذي التهمته النيران، والتهمت مقومات إنتاجه، ومعها تلك الأسر التي خسرت منشآتها الصناعية أو منازلها، هذه الأسر التي ستكون محتاجة سريعاً للعون الاستهلاكي والإنتاجي معاً: “استهلاكي” يؤمن لها حاجياتها الاستهلاكية اليومية، و”إنتاجي” يمكنها من استعادة الإنتاج في أرضها أو منشآتها التي خرجت من الإنتاج، وإغاثي لمنازلها التي تحتاج إلى ترميم أو إعادة بناء، لتمكين أهاليها من السكن السريع فيها، قبل اغترابهم في مناطق أخرى وتعرضهم لما قد يغريهم للبقاء خارج العمل الزراعي، كما حصل مع بعض سكان المحافظات الشرقية قبل أعوام، يوم هجَّرهم الجفاف من أراضيهم.
لقد بلسمت زيارة السيد الرئيس لمواقع الحرائق الكثير من الجراح، وخاصة من خلال قراره السريع بمنح معونة عاجلة لجميع القرى المتضررة، مؤكداً أن العون سيطال كل شجرة وكل فرد، وقراره الحكيم بخصوص القروض المستجره من المتضررين والتي سيستجرونها مجدداً، بالتوازي مع الخطة التي أقرتها واعتمدتها رئاسة مجلس الوزراء – بناء على توجيهاته الكريمة – والتي ستؤمن أشكالاً متنوعة من الدعم العاجل والمبرمج للمناطق والأسر المتضررة، والأمل كبير بأن يصل الدعم لجميع المتضررين كل بحسب حجم تضرره وسرعة حاجته لذلك.
حبذا لو تعمل السلطات الرسمية والهيئات الشعبية لاستثمار كامل طاقة الآليات المخصصة لاستصلاح الأراضي المتضررة، وعدم ترك مئات الهكتارات من الأراضي الحراجية أو الأشجار المثمرة، دون طرقات تخرقها أو تحيط بها، واستدراك ذلك في الأراضي المحروقة التي سيعاد استصلاحها وتشجيرها، والعمل على ترك مساحات كبيرة فاصلة للمزروعات النباتية بين المناطق المشجرة قديما، وبين التي سيتم إعادة تشجيرها مجددا، لكي تشكل هذه الزراعات مناطق حماية فاصلة – من أية حرائق قد تحدث لاحقاً – بين المناطق المشجرة، خاصة وأن الزراعات النباتية هي حاجة مواطن ووطن، كالأشجار الحراجية والمثمرة، والعمل على تخفيف كثافة الأشجار بالقرب من البيوت السكنية والمنشآت، وإعداد واعتماد خطط مركزية ومحلية بالمشاركة مع المجتمع الأهلي تؤسس لاجتناب المزيد من الحرائق، والتمكين من الإسراع في إخمادها حال حدوثها، بما هو واجب الوجود من معدات ومستلزمات في كل منطقة، وما يمكن استقدامه سريعا من منطقة لأخرى، والحذر كل الحذر من جرائم تخريبية في أمكنة أخرى.
مخطئ جدا من يظن أن أهل المحافظات الشرقية هم الذين خسروا مواسم الحبوب، أو أن أهل الساحل هم الذين خسروا مواسم الأشجار المثمرة التي حرقها المجرمون، فالخسارة خسارة وطن بكامله، وكل نقص في الإنتاج سيدفع باتجاه نقص المادة وغلاء الأسعار الذي يطال جميع المواطنين، وكل علاج لما حصل من أضرار سينعكس على كامل أبناء الوطن، وهذا العون السريع والعاجل من القيادة، رغم الضائقة الاقتصادية التي يمر بها البلد، يؤكد أن سورية أقوى بكثير مما يظن خصومها.
عبد اللطيف عباس شعبان.. عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية